فصل [في الأكل من الهدي]
على أربعة أوجه : جائز قبل بلوغ محله وبعد ، وممنوع قبل وبعد ، وجائز قبل ممنوع بعد ، وممنوع قبل جائز بعد . الهدي والأكل منه
فكل هدي واجب في الذمة عن حج أو عمرة ، من فساد أو متعة أو قران أو تعدي ميقات أو ترك النزول بعرفة نهارا أو ترك النزول بالمزدلفة أو ترك رمي الجمار أو تأخير الحلاق - يجوز الأكل منه قبل وبعد .
وأما جزاء الصيد وفدية الأذى فيأكل منه قبل ، ولا يأكل منه بعد .
، وإن سماه [ ص: 1242 ] للمساكين وهو مضمون أكل منه قبل ، ولم يأكل منه بعد . وإن كان منذورا معينا ولم يسمه للمساكين أو قلده وأشعره من غير نذر - أكل منه بعد ، ولم يأكل منه قبل . والمنذور المضمون إذا لم يسمه للمساكين يأكل منه قبل وبعد
وإن نذره للمساكين وهو معين ، أو نوى ذلك حين التقليد ، لم يأكل منه قبل ولا بعد . وذكر محمد قولا آخر : أنه لا يأكل من هدي الفساد . ويلزم على هذا ألا يأكل من شيء ساقه عن وصم في حج أو عمرة .
وذكر ابن نافع عن في المبسوط في الجزاء والفدية ، أنه قال : لا ينبغي أن يأكل . فإن فعل فلا شيء عليه . فمنع في القول الأول من الأكل منه لما جعل للمساكين فيهما مدخلا إذا كفر بالإطعام ، ولم يمنع في القول الآخر قياسا على المتعة وغيرها ، وأجرى الهدي على الأصل إذا سيق عن وصم ، فإنه لا يمنع الأكل منه . مالك
والقياس في الجزاء ألا يأكل ؛ لأنه إنما غرم قيمة شيء أتلفه ، فوجب أن يجري على الأصل في قيمة المتلفات : ألا حق له في الانتفاع من القيمة ، وهو في إماطة الأذى أخف ؛ لأنه إنما غرم عن شيء انتفع به ، كالوطء والمتعة ، اختلف في ، فقال الأكل مما نذره للمساكين مرة : لا يأكل منه . واستحب مرة ترك الأكل منه ، ورأى أن التقليد والإشعار والذبح إنما أوجب الالتزام . [ ص: 1243 ] مالك
ولو أوجبه للمساكين ولم يسمه هديا لم يجزئ على أحد القولين ، ولم يجبر على منع الأكل ، فكذلك إذا سماه هديا . ومنع من الأكل من كل معين هلك قبل محله للحديث . قال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث هديا ، فقال المبعوث معه : يا رسول الله ، كيف أصنع بما أعطيت ؟ فقال : "انحرها وألق قلائدها في دمها ، ثم خل بين الناس وبينها" : فإن أكل صاحبه ، أو أمر من أكل منه ضمن . مالك
وإن بعث به فعطب لم يأكل منه المبعوث معه ، وإن أكل فلا شيء عليه ، إلا أن يأكل بأمر صاحبه فيضمن صاحبه .
وقال في منع صاحبه أن يأكل منه : لأنه يتهم أن يكون أعطبه ليأكل منه . وليس بحسن ، بل ذلك عند أبو محمد عبد الوهاب شرع ؛ لأنه قال : يضمن إن أمر المبعوث معه بالأكل وإن لم يأكل ، ولا تهمة في هذا أن يعطيه ليطعم غيره . [ ص: 1244 ] مالك
وقال محمد فيمن كان معه هدي جزاء صيد فضل منه ، فأبدله ، فعطب البدل في الطريق ، فأكل منه ، ثم وجد الأول : نحره عن الجزاء ، وأبدل الثاني ؛ لأنه يصير كالتطوع . وهذا أبين ؛ لأن البدل لم يكن لأجل التهمة .
؛ لجواز أن يكون هدي الجزاء . وإن عطب أحدهما قبل بلوغه جاز أن يأكل منه ؛ لأنهما مضمونان . وإن كان أحدهما تطوعا والآخر مضمونا لم يأكل منه ؛ لجواز أن يكون التطوع ، ويأتي بالبدل ؛ لجواز أن يكون المضمون . فإن كان قد بلغ المحل ثم اختلط أكل من أيهما أحب ، ما لم يكن المضمون جزاء صيد . وقال ومن كان معه هدي متعة وجزاء صيد فاختلطا بعد الذبح لم يأكل من واحد منها : إذا ضل جزاء الصيد وأبدله ثم وجد الأول نحرهما وأكل من الثاني ، قال ابن الماجشون محمد : وإن أكل من الثاني بعد أن بلغ وقبل أن يجد الأول أبدله . فإن لم يبدله حتى وجد الأول فلا شيء عليه ؛ لأن الثاني يصير تطوعا أكل منه بعد بلوغه .
وقال وأصحاب الرأي : إذا ضل الهدي الواجب فأبدله ثم وجد الأول نحره ، وإن نحر الثاني فهو أفضل ، وإن باع فلا شيء عليه . وقول الثوري "أن له أن يبيع الواجب إذا عطب قبل بلوغه" نحو من هذا . ابن الماجشون
وإن كان مضمونا أو منذورا معينا للمساكين فعطب أحدهما قبل محله واختلطا لم يأكل ؛ لجواز أن يكون المنذور ، وعليه البدل ؛ لجواز أن يكون هو [ ص: 1245 ] المضمون . وإن بلغا أكل من الثاني خاصة ، فإن كان الأول الذي عطب المنذور كان هذا تطوعا والأكل منه جائز ، وإن كان الأول المضمون جاز أن يأكل من بدله .