باب فيمن اشترى من أرض الحرب متاعا لمسلم أو حر ، ومن فيه عقد حرية : أم ولد أو مدبر أو مكاتب أو معتق إلى أجل ، أو اشترى زوجته ، أو أحدا من أقاربه
ومن كان لسيده أن يأخذه إن كان اشتراه بعد دفع الثمن الذي اشتراه به ، فإن كان الثمن عينا أخذ بمثله . وإن كان عرضا أو شيئا مما يكال أو يوزن ؛ أخذ بقيمته في ذلك الموضع الذي اشتراه به ، وإن وهب له وكافأ عليه ؛ كان بمنزلة ما لو اشتراه . وإن لم يكافئ ؛ أخذه سيده بغير شيء . دخل دار الحرب فاشترى عبدا لمسلم ، أو وهب له
واختلف إذا لم يعلم سيده ؛ حتى باعه من أتى به من أرض العدو ، فقال : البيع ماض ، وسواء كان اشتراه أو وهب له ، ويرجع المستحق على البائع إن كان ابتاعه بفضل الثمن ، إن كان فيه فضل . وإن لم يكن فيه فضل ؛ فلا شيء له . وإن كان وهب له ؛ أخذ منه الثمن الذي باعه به . ابن القاسم
وقال غيره : له أن ينقض البيع إذا وهب له بعد أن يدفع إلى المشتري ثمنه ، ورجع هو على البائع بما قبض منه ، وفرق بين الهبة والبيع . [ ص: 1379 ]
وقال ابن نافع : لو أعتقه الموهوب له ، ولم يكن أثاب عنه كان عتقه باطلا .
وإن أثاب عنه أو كان اشتراه مضى عتقه بمنزلة ما لو اشترى من المغنم .
ويختلف فيه أيضا : إذا كان اشتراه من أرض الحرب ، ثم باعه مشتريه فلا يكون البيع فوتا قياسا على ما بيع في المغانم ، ثم باعه مشتريه ، أن للمستحق أن يرد البيع الثاني ، والأمر فيهما واحد .
وأن يأخذه بعد دفع الثمن أحسن ، وقد تقدم وجه ذلك .
ويختلف أيضا : إذا أعتقه المشتري ، أو كانت أمة فأولدها ، فعلى قول : أن ذلك فوت . ابن القاسم
وعلى قول : أن ذلك ليس بفوت . وهو أحسن . أشهب
وإن اشترى من بلد الحرب حرا ، وهو عالم أنه حر ، أو غير عالم بإذنه أو بغير إذنه ؛ كان له أن يتبعه بالثمن ؛ لأنه لم يكن له أن يبقى بدار الكفر في حال الأسر مع القدرة على الخروج ، إلا أن يقول : كنت قادرا على التحيل لنفسي ، والخروج بغير شيء ، ويعلم دليل صدقه ، فلا يتبع إذا افتداه بغير أمره ، وبغير علمه .
فإن قال : كنت أفتدي نفسي بدون هذا ، وتبين صدقه ؛ اتبع بما كان يرى أنه [ ص: 1380 ] يفتدي نفسه به ، وسقط الزائد .
وإن كان عالما بافتدائه ، ولم ينكر عليه ؛ اتبعه وإن كان قادرا على الخروج بغير شيء ، أو بدون ذلك ؛ لأن ذلك رضا منه ، فيكون أحق بالمال الذي كان معه من غرمائه .
واختلف في المال الذي كان خلفه ، فقيل : يكون حصاصا بينه وبينهم .
وقال : الذي افتداه أحق به . عبد الملك
ويلزم على قوله : أن يفتدى بهذا المال الذي خلفه ، فيبعث لافتدائه ، وإن كره غرماؤه . وهذا لتغليب أحد الضررين فيما يناله من العدو أو يخشى عليه أن يفتن في دينه . فإن لم يوجد له شيء ؛ اتبع متى أيسر .
والقياس أن يأخذ ما افتداه به من بيت المال ، فإن لم يكن بيت مال فمن جميع المسلمين .
وهذا أصل المذهب ؛ لأن فداءه كان واجبا على الإمام ، يبعث بذلك من بيت المال ، فإن لم يكن فعلى جماعة المسلمين أن يفتدوه . قال مالك : ذلك على المسلمين ، ولو بجميع أموالهم .
وإذا كان ذلك واجبا عليهم ابتداء وهو ببلد الحرب ؛ كان لمن أتى به أن يرجع بذلك الفداء على من كان يجب عليه ، وهو بأرض الحرب قبل أن يفتدي . [ ص: 1381 ]
وقال فيمن اشترى عبدا من العدو ، فلما قدم به تكلم بالعربية ، وأقام البينة أنه حر : إنه يغرم لمشتريه الثمن الذي اشتراه به ، وإن لم يكن عنده اتبع به دينا . مالك