باب في الجزية ، ومن لا يصح أن تقبل منه ، ومن لا يخاطب بقتال ، ولا بجزية 
الكفار في قتالهم وقبول الجزية منهم على ثلاثة أصناف   : صنف يتوجه خطابهم بثلاثة أشياء : بالدخول في الإسلام ، أو الجزية عن يد ، أو القتال ، وهم أهل الكتاب عربا كانوا أو غيرهم . 
وصنف يتوجه خطابهم بوجهين : بالإسلام أو القتال . 
واختلف في قبول الجزية منهم ، وهم : المشركون وعبدة الأوثان والمجوس ما سوى الحبش والترك . 
وصنف يدعون إلى الإسلام . 
واختلف إذا عاندوا ، هل يتركون أو يقاتلون ؟ وهم الحبش والترك . 
والأصل في أهل الكتاب قول الله -عز وجل- : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون   [التوبة : 29] . 
وفي قتال عبدة الأوثان والمجوس قوله : جاهد الكفار والمنافقين   [التوبة : 73] . 
وقوله تعالى : فاقتلوا المشركين   [التوبة : 5] .  [ ص: 1448 ] 
وفي قبول الجزية منهم ثلاثة أقوال : 
فقال  مالك   : تقبل عربا كانوا أو غيرهم . 
وقال  ابن القاسم   : الأمم كلها إذا رضوا بالجزية قبلت منهم . 
وقال  ابن الماجشون   : لا تقبل . 
قال  ابن وهب   : لا تقبل من مجوس العرب ، وتقبل من غيرهم ، قال : وقد قبلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من مجوس هجر ، ولم يقبلها من غيرهم . 
ورأى  ابن الماجشون  أن قول الله -عز وجل- : من الذين أوتوا الكتاب   [التوبة : 29] . 
أنه شرط ، وأن ما عدا الشرط بخلافه . 
وقول  مالك  أحسن ؛ لورود الأخبار الصحاح : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها من العرب وغيرهم ، وفعله الصحابة بعده . 
فأخرج  البخاري  عن  عبد الرحمن بن عوف   - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها من مجوس هجر  . 
وعن المغيرة   - رضي الله عنه - أنه قال في قتالهم لكسرى   : إن نبينا أمرنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده ، أو تؤدوا الجزية .  [ ص: 1449 ] 
وفي كتاب  مسلم  عن  بريدة  ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرا على سرية أو جيش قال : "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال ، فأيتها أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ادعهم إلى الإسلام ، فإن أبوا فاسألهم الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، وادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين . . ." الحديث . فدخل في هذا العرب ؛ لأنهم المشركون ، وهم أكثر من كان يقاتل . 
وفي الموطأ قال  عبد الرحمن بن عوف   - رضي الله عنه -  لعمر   - رضي الله عنه - في المجوس : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"  . 
وفيه دليل : أن قوله هذا كان بعد نزول آية الجزية ، وأنهم علموا الحكم في أهل الكتاب ، فأمرهم أن يمضوا في هؤلاء على سنة أولئك . وأخذها  عثمان   - رضي الله عنه - من مجوس البربر   . 
وقد اختلف في استرقاق العرب ، فأجازه  ابن القاسم  ، ويجوز على قول  مالك  ؛ لأنهما يريان أخذ الجزية منهم . 
ومن أجاز أن يبقى على الكفر مع الجزية جاز أن يسترق مع الكفر ، وعلى قول  ابن وهب   : لا يسترقون إن أسلموا ، وإلا قتلوا .  [ ص: 1450 ] 
وهو قول  مالك   والشافعي  ،  وأبي حنيفة   . 
وقال  مالك   : الفرازنة -وهم جنس من الحبشة-  لا يقاتلون حتى يدعوا . 
وقال  ابن القاسم  في الترك  مثل ذلك ، فأباح قتالهما إذا دعوا فأبوا . 
وقال  مالك  في كتاب  ابن شعبان   : لا تقاتل الحبشة  ، إلا أن يخرجوا من غير ظلم . وكذلك الترك   . 
وقال  ابن القاسم   : وأخبرني من أثق به من أهل المدينة  عن حرملة بن سعيد  ، عن  سعيد بن المسيب  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  "اتركوا الحبشة  ما تركوكم"  . 
وقال  أبو إسحاق ابن شعبان   : اتركوا الرابضين ما تركوكم ؛ الحبشة  والترك   . 
وقال  سحنون   : قيل  لمالك   : أبلغك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  "ذروا الحبشة  ما وذروكم ؟ " . قال : أما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ، ولكن لم أزل أسمع أن ذلك يقال ، ولم يزل الناس يغزون الروم وغيرهم ، وتركوا هؤلاء ، فما أراهم تركوا قتالهم إلا لأمر .  [ ص: 1451 ] 
				
						
						
