[ ص: 1607 ] كتاب الأشربة
النسخ المقابل عليها
1 - (ب) نسخة برلين رقم (3144)
2 - (ق 5) نسخة القرويين رقم (368)
[ ص: 1608 ]
[ ص: 1609 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الأشربة
ذكر الله -عز وجل- في أربعة مواضع من كتابه: الخمر
بالإباحة، وبما يتضمن الكراهية، والتحريم في وقت دون وقت، وبالتحريم جملة من غير تخصيص لوقت.
فالأول: قوله سبحانه: وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه . . . ، ثم قال تعالى ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا [النحل: 66، 67].
والثاني: قوله: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس [البقرة: 219].
والثالث: قوله: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [النساء: 43].
والرابع: قوله -عز وجل-: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه [المائدة: 90] الآيتين .
فتضمنت الآية الأولى الإباحة لوجوه:
أحدها: أن القصد بها وبما قبلها من قوله سبحانه: والأنعام خلقها لكم [ ص: 1610 ] فيها دفء [النحل: 5]. وما بعدها إلى قوله: سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون [النحل: 81]. بيان نعمه عندنا، وما من به وسخره لنا وأباحه; فلم يدخل في ذلك ما حرمه علينا، ومنعنا منه.
والثاني: أنه قرنه بالألبان، وعطفه عليها.
والثالث: أن الآية مكية، وأجمع الناس على أنها كانت حلالا بالمدينة ثم حرمت، وأنها لم تكن محرمة ثم أحلت ثم حرمت; فبان بهذا أن السكر منها لم يكن محرما، وأن هذا هو الصحيح من القول.
وقد اختلف في ذلك: فقيل: السكر: الخمر. وقيل: النبيذ. وقيل: ما كان شربه حلالا كالنبيذ والخل.
والصحيح: أنه ما يسكره، وقد عقلت العرب السكر ما هو، وبين ذلك قول الله سبحانه لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى [النساء: 43] ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: . ولا حاجة بنا إلى حمل الآية على غير ظاهرها لما قررناه من أن الآية مكية، وأن الخمر لم تكن محرمة حينئذ، وإنما يحتاج إلى الخروج عند ذلك لو كان نزولها بعد آية المائدة. [ ص: 1611 ] "كل شراب أسكر حرام"
وتضمنت الآية الثانية الإباحة; لقوله: ومنافع للناس [الحديد: 25].
قيل: المنافع: التلذذ بشربها، وأخذ الأثمان في بيعها، والربح لمن تجر بها. وتضمنت الكراهة، وأن الترك أولى، بقوله: فيهما إثم كبير [البقرة: 219].
قيل: هو ما يدخل على من شربها مما هو مذكور في الآية الأخرى من العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ولم يحمل على التحريم وإن أدت إلى ذلك، ولا يجتمع التحريم والتحليل معا بأمر واحد.
وتضمنت الآية الثالثة إباحة الشرب دون السكر ، ومنع الشرب الذي يسكر في وقت يعلم أنه إذا أتى وقت الصلاة كان سكرانا ولم يذهب ذلك عنه، وإذا كان بعيدا من وقت الصلاة يعلم أنه يذهب عنه قبل وقت الصلاة - لم يحرم، وقد كان الخطاب بالآية وإعلام الصحابة لها حين نزولها وهم عقلاء غير سكارى، وخوطبوا بما يفعلونه بعد ذلك.
وتضمنت الآية الرابعة تحريمها جملة من غير تخصيص لوقت، قال -عز وجل-: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون [المائدة: 90، 91]. [ ص: 1612 ]
فتضمنت التحريم من وجوه ثلاثة:
أحدها: المساواة بينها وبين الأنصاب التي كانت تعبد، وهي محرمة بالإجماع; فكذلك الخمر.
والثاني: تسمية جميع ذلك رجزا، فعمها بهذا الاسم، ومخرج ذلك مخرج التعليل، وقد أخبر تعالى أن الرجز محرم في قوله تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا [الأنعام: 145]
وقال: الرجس من الأوثان [الحج: 30]
والثالث: قوله -عز وجل-: فاجتنبوه ، والنهي من الله -عز وجل- على الوجوب حتى يقوم دليل الندب.