ومنها أن يكون أكثر اهتمامه بعلم الباطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق الآخرة وسلوكه وصدق الرجاء في انكشاف ذلك من المجاهدة والمراقبة فإن المجاهدة تفضي إلى المشاهدة، ودقائق علوم القلب تنفجر بها ينابيع الحكمة من القلب وأما الكتب والتعليم فلا تفي بذلك بل الحكمة الخارجة عن الحصر والعد إنما تتفتح بالمجاهدة والمراقبة ومباشرة الأعمال الظاهرة والباطنة والجلوس مع الله عز وجل في الخلوة مع حضور القلب بصافي الفكرة والانقطاع إلى الله تعالى عما سواه فذلك مفتاح الإلهام ومنبع الكشف فكم من متعلم طال تعلمه ولم يقدر على مجاوزة مسموعه بكلمة وكم من مقتصر على المهم في التعلم ومتوفر على العمل .ومراقبة القلب فتح الله له من لطائف الحكمة ما تحار فيه عقول ذوي الألباب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : من ورثه الله علم ما لم يعلم عمل بما علم وفي الكتب السالفة يا بني إسرائيل لا تقولوا: العلم في السماء من ينزل به ؟ ولا في تخوم الأرض، من يصعد به ؟ ولا من وراء البحار، من يعبر يأتي به ؟ العلم مجعول في قلوبكم، تأدبوا بين يدي بآداب الروحانيين، وتخلقوا إلي بأخلاق الصديقين، أظهر العلم في قلوبكم حتى يغطيكم ويغمركم .
وقال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: خرج العلماء والعباد والزهاد من الدنيا وقلوبهم مقفلة ولم تفتح إلا قلوب الصديقين والشهداء، ثم تلا قوله تعالى : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو الآية. ولولا أن إدراك قلب من له قلب بالنور الباطن حاكم على علم الظاهر لما قال صلى الله عليه وسلم :استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك . وقال صلى الله عليه وسلم ، فيما يرويه عن ربه عز وجل :
:لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت له سمعه الذي يسمع به. الحديث