ثم في القرن الرابع حدثت مصنفات الكلام وكثر الخوض في الجدال والغوص في إبطال المقالات ثم مال الناس إليه وإلى القصص والوعظ بها فأخذ علم اليقين في الاندراس من ذلك الزمان فصار بعد ذلك يستغرب وأعرض عن ذلك إلا الأقلون فصار يسمى المجادل المتكلم عالما ، والقاص المزخرف كلامه بالعبارات المسجعة عالما وهذا لأن العوام هم المستمعون إليهم فكان لا يتميز لهم حقيقة العلم من غيره ولم تكن سيرة الصحابة رضي الله عنهم وعلومهم ظاهرة عندهم حتى كانوا يعرفون بها مباينة هؤلاء لهم فاستمر عليهم اسم العلماء ، وتوارث اللقب خلف عن . سلف ، وأصبح علم الآخرة مطويا وغاب عنهم الفرق بين العلم والكلام إلا عن الخواص منهم كانوا إذا قيل لهم : فلان أعلم أم فلان يقولون : فلان أكثر علما ، وفلان أكثر كلاما . علم القلوب ، والتفتيش عن صفات النفس ومكايد الشيطان
فكان الخواص يدركون الفرق بين العلم وبين القدرة على الكلام .
هكذا ضعف الدين في قرون سالفة فكيف الظن بزمانك هذا وقد انتهى الأمر إلى أن مظهر الإنكار يستهدف لنسبته إلى الجنون فالأولى أن يشتغل الإنسان بنفسه ويسكت .