وهو الكتاب السابع من ربع العادات من كتب إحياء علوم الدين .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الذي فتح بصائر أوليائه بالحكم والعبر واستخلص همهم لمشاهدة عجائب صنعه في الحضر والسفر فأصبحوا راضين بمجاري القدر منزهين قلوبهم عن التلفت إلى متنزهات البصر إلا على سبيل الاعتبار بما يسبح في مسارح النظر ومجاري الفكر فاستوى عندهم البر والبحر والسهل والوعر والبدو والحضر .
والصلاة على محمد سيد البشر وعلى صحبه المقتفين لآثاره في الأخلاق والسير وسلم كثيرا .
أما بعد فإن . السفر وسيلة إلى الخلاص عن مهروب عنه أو الوصول إلى مطلوب ومرغوب فيه
والسفر سفران سفر بظاهر البدن عن المستقر والوطن إلى الصحارى والفلوات وسفر بسير القلب عن أسفل السافلين إلى ملكوت السماوات .
وأشرف السفرين السفر الباطن .
فإن الواقف على الحالة التي نشأ عليها عقيب الولادة الجامد على ما تلقفه بالتقليد من الآباء والأجداد لازم درجة القصور وقانع بمرتبة النقص ومستبدل بمتسع فضاء جنة عرضها السماوات والأرض ظلمة السجن وضيق الحبس ولقد صدق القائل:
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
إلا أن هذا السفر لما كان مقتحمه في خطب خطير لم يستغن فيه عن دليل وخفير فاقتضى غموض السبيل وفقد الخفير والدليل وقناعة السالكين عن الحظ الجزيل بالنصيب النازل القليل اندراس مسالكه .فانقطع فيه الرفاق وخلا عن الطائفين متنزهات الأنفس والملكوت والآفاق .
وإليه دعا الله سبحانه بقوله : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم وبقوله تعالى : وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وعلى القعود عن هذا السفر وقع الإنكار بقوله تعالى : وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون وبقوله سبحانه وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون فمن يسر له هذا السفر لم يزل في سيره متنزها في جنة عرضها السماوات والأرض وهو ساكن بالبدن مستقر في الوطن .
وهو السفر الذي لا تضيق فيه المناهل والموارد ولا يضر فيه التزاحم والتوارد بل تزيد بكثرة المسافرين غنائمه وتتضاعف ثمراته وفوائده ، فغنائمه دائمة غير ممنوعة وثمراته متزايدة غير مقطوعة إلا إذا بدا للمسافر فترة في سفره ووقفة في حركته فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا زاغوا أزاغ الله قلوبهم وما الله بظلام للعبيد ولكنهم يظلمون أنفسهم ومن لم يؤهل للجولان في هذا الميدان والتطواف في متنزهات هذا البستان ربما سافر بظاهر بدنه في مدة مديدة فراسخ معدودة مغتنما بها تجارة للدنيا أو ذخيرة للآخرة فإن كان مطلبه العلم والدين أو الكفاية للاستعانة على الدين كان من سالكي سبيل الآخرة ، وكان له في سفره شروط وآداب إن أهملها كان من عمال الدنيا وأتباع الشيطان ، وإن واظب عليها لم يخل سفره عن فوائد تلحقه بعمال الآخرة ، ونحن نذكر آدابه وشروطه في بابين إن شاء الله تعالى .
: الباب الأول : في الآداب من أول النهوض إلى آخر الرجوع وفي نية السفر .
وفائدته وفيه فصلان .
الباب الثاني : فيما لا بد للمسافر من تعلمه من رخص السفر وأدلة القبلة والأوقات .