وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
فيجب الاحتراز عن ظن السوء وعن تهمة الأشرار ؛ فإن الأشرار لا يظنون بالناس كلهم إلا الشر ، فمهما رأيت إنسانا يسيء الظن بالناس طالبا للعيوب فاعلم أنه خبيث الباطن وأن ، ذلك خبثه يترشح منه ، وإنما رأى غيره من حيث هو فإن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق فهذه بعض مداخل الشيطان إلى القلب ، ولو أردت استقصاء جميعها لم أقدر عليه ، وفي هذا القدر ما ينبه على غيره ، فليس في الآدمي صفة مذمومة إلا وهي سلاح الشيطان ومدخل من مداخله .فإن قلت : فما العلاج في دفع الشيطان ? وهل يكفي في ذلك ذكر الله تعالى وقول الإنسان : لا حول ولا قوة إلا بالله فاعلم أن في ذلك سد هذه المداخل بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة وذلك مما يطول ذكره ، وغرضنا في هذا الربع من الكتاب بيان علاج الصفات المهلكات ، وتحتاج كل صفة إلى كتاب منفرد على ما سيأتي شرحه نعم إذا قطعت من القلب أصول هذه الصفات كان للشيطان بالقلب اجتيازات وخطرات ، ولم يكن له استقرار ويمنعه من الاجتياز ذكر الله تعالى ؛ لأن حقيقة الذكر لا تتمكن من القلب إلا بعد عمارة القلب بالتقوى وتطهيره من الصفات المذمومة وإلا فيكون الذكر حديث نفس لا سلطان له على القلب ، فلا يدفع سلطان الشيطان ، ولذلك قال الله تعالى : علاج القلب إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون خصص بذلك المتقي فمثل الشيطان كمثل كلب جائع يقرب منك ، فإن لم يكن بين يديك خبز أو لحم فإنه ينزجر بأن تقول له اخسأ فمجرد الصوت يدفعه ، فإن كان بين يديك لحم وهو جائع فإنه يهجم على اللحم ولا يندفع بمجرد الكلام فالقلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجر عنه بمجرد الذكر فأما الشهوة إذا غلبت على القلب دفعت حقيقة الذكر إلى حواشي القلب فلم يتمكن من سويدائه فيستقر الشيطان في سويداء القلب .