بيان
nindex.php?page=treesubj&link=29559سرعة تقلب القلب وانقسام القلوب في التغير والثبات .
اعلم أن القلب كما ذكرناه تكتنفه الصفات التي ذكرناها وتنصب إليه الآثار والأحوال من الأبواب التي وصفناها ، فكأنه هدف يصاب على الدوام من كل جانب ، فإذا أصابه شيء يتأثر به أصابه من جانب آخر ما يضاده فتتغير صفته ، فإن نزل به الشيطان فدعاه إلى الهوى نزل به الملك وصرفه عنه ، وإن جذبه شيطان إلى شر جذبه شيطان آخر إلى غيره ، وإن جذبه ملك إلى خير جذبه آخر إلى غيره ، فتارة يكون متنازعا بين ملكين ، وتارة بين شيطانين ، وتارة بين ملك وشيطان لا ، يكون قط مهملا وإليه الإشارة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ولاطلاع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عجيب صنع الله تعالى في عجائب القلب وتقلبه كان يحلف به فيقول : لا ومقلب القلوب .
وكان كثيرا ما يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ، قالوا أو تخاف : يا رسول الله ? قال : " وما يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء " وفي لفظ آخر : إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه .
وضرب له صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثلة : فقال : "
مثل القلب مثل العصفور يتقلب في كل ساعة " وقال صلى الله عليه وسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=940008مثل القلب في تقلبه كالقدر إذا استجمعت غليانا " وقال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=699675مثل القلب كمثل ريشة في أرض فلاة ، تقلبها الرياح ظهرا لبطن " وهذه التقلبات وعجائب صنع الله تعالى في تقلبها من حيث لا تهدى إليه المعرفة لا يعرفها إلا المراقبون والمراعون لأحوالهم مع الله تعالى .
nindex.php?page=treesubj&link=29559والقلوب في الثبات على الخير والشر والتردد بينهما ثلاثة قلب عمر بالتقوى وزكا بالرياضة وطهر عن خبائث الأخلاق تنقدح فيه خواطر الخير من خزائن الغيب ومداخل الملكوت فينصرف العقل إلى التفكر فيما خطر له ليعرف دقائق الخير فيه ويطلع على أسرار فوائده ، فينكشف له بنور البصيرة وجهه فيحكم بأنه لا بد من فعله فيستحثه ، عليه ويدعوه إلى العمل به وينظر الملك إلى القلب فيجده طيبا في جوهره طاهرا بتقواه ، مستنيرا بضياء العقل ، معمورا بأنوار المعرفة فيراه صالحا لأن يكون له مستقرا ومهبطا فعند ذلك يمده بجنود لا ترى ويهديه ، إلى خيرات أخرى حتى ينجر الخير إلى الخير وكذلك على الدوام ، ولا يتناهى إمداده بالترغيب بالخير وتيسير الأمر عليه وإليه الإشارة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فأما من أعطى واتقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=6وصدق بالحسنى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=7فسنيسره لليسرى وفي مثل هذا القلب يشرق نور المصباح من مشكاة الربوبية حتى لا يخفى فيه الشرك الخفي الذي هو "
nindex.php?page=hadith&LINKID=9103أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء فلا " يخفى على هذا النور خافية ولا يروج عليه شيء من مكايد الشيطان ، بل يقف الشيطان ويوحي زخرف القول غرورا فلا ، يلتفت إليه وهذا القلب بعد طهارته من المهلكات يصير على القرب معمورا بالمنجيات التي سنذكرها من الشكر والصبر والخوف والرجاء والفقر والزهد والمحبة والرضا والشوق والتوكل والتفكر والمحاسبة وغير ذلك وهو القلب الذي أقبل الله عز وجل بوجهه عليه وهو القلب المطمئن المراد بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28ألا بذكر الله تطمئن القلوب وبقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يا أيتها النفس المطمئنة .
بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=29559سُرْعَةِ تَقَلُّبِ الْقَلْبِ وَانْقِسَامِ الْقُلُوبِ فِي التَّغَيُّرِ وَالثَّبَاتِ .
اعْلَمْ أَنَّ الْقَلْبَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ تَكْتَنِفُهُ الصِّفَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَتَنْصَبُّ إِلَيْهِ الْآثَارُ وَالْأَحْوَالُ مِنِ الْأَبْوَابِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا ، فَكَأَنَّهُ هَدَفٌ يُصَابُ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ يَتَأَثَّرُ بِهِ أَصَابَهُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ مَا يُضَادُّهُ فَتَتَغَيَّرُ صِفَتُهُ ، فَإِنْ نَزَلَ بِهِ الشَّيْطَانُ فَدَعَاهُ إِلَى الْهَوَى نَزَلَ بِهِ الْمَلَكُ وَصَرَفَهُ عَنْهُ ، وَإِنْ جَذَبَهُ شَيْطَانٌ إِلَى شَرٍّ جَذَبَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَإِنْ جَذَبَهُ مَلَكٌ إِلَى خَيْرٍ جَذَبَهُ آخَرُ إِلَى غَيْرِهِ ، فَتَارَةً يَكُونُ مُتَنَازِعًا بَيْنَ مَلَكَيْنِ ، وَتَارَةً بَيْنَ شَيْطَانَيْنِ ، وَتَارَةً بَيْنَ مَلَكٍ وَشَيْطَانٍ لَا ، يَكُونُ قَطُّ مُهْمَلًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ وَلِاطِّلَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَجِيبِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَجَائِبِ الْقَلْبِ وَتَقَلُّبِهِ كَانَ يَحْلِفُ بِهِ فَيَقُولُ : لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ .
وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ : " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " ، قَالُوا أَوْ تَخَافُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ? قَالَ : " وَمَا يُؤَمِّنُنِي وَالْقَلْبُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ " وَفِي لَفْظِ آخَرَ : إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ .
وَضَرَبَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثِلَةٍ : فَقَالَ : "
مَثَلُ الْقَلْبِ مِثْلُ الْعُصْفُورِ يَتَقَلَّبُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ " وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=940008مَثَلُ الْقَلْبِ فِي تَقَلُّبِهِ كَالْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا " وَقَالَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=699675مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ ، تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ " وَهَذِهِ التَّقَلُّبَاتُ وَعَجَائِبُ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَقَلُّبِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تُهْدَى إِلَيْهِ الْمَعْرِفَةُ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْمُرَاقِبُونَ وَالْمُرَاعُونَ لِأَحْوَالِهِمْ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى .
nindex.php?page=treesubj&link=29559وَالْقُلُوبُ فِي الثَّبَاتِ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالتَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةٌ قَلْبٌ عُمِّرَ بِالتَّقْوَى وَزَكًّا بِالرِّيَاضَةِ وَطُهِّرَ عَنْ خَبَائِثِ الْأَخْلَاقِ تَنْقَدِحُ فِيهِ خَوَاطِرُ الْخَيْرِ مِنْ خَزَائِنَ الْغَيْبِ وَمَدَاخِلِ الْمَلَكُوتِ فَيَنْصَرِفُ الْعَقْلُ إِلَى التَّفَكُّرِ فِيمَا خَطِرَ لَهُ لِيَعْرِفَ دَقَائِقَ الْخَيْرِ فِيهِ وَيَطَّلِعَ عَلَى أَسْرَارِ فَوَائِدِهِ ، فَيَنْكَشِفُ لَهُ بِنُورِ الْبَصِيرَةِ وَجْهُهُ فَيَحْكُمُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ فَيَسْتَحِثُّهُ ، عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ وَيَنْظُرُ الْمَلَكُ إِلَى الْقَلْبِ فَيَجِدُهُ طَيِّبًا فِي جَوْهَرِهِ طَاهِرًا بِتَقْوَاهُ ، مُسْتَنِيرًا بِضِيَاءِ الْعَقْلِ ، مَعْمُورًا بِأَنْوَارِ الْمَعْرِفَةِ فَيَرَاهُ صَالِحًا لِأَنْ يَكُونَ لَهُ مُسْتَقَرًّا وَمَهْبِطًا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَمُدُّهُ بِجُنُودٍ لَا تُرَى وَيَهْدِيهِ ، إِلَى خَيْرَاتٍ أُخْرَى حَتَّى يَنْجَرَّ الْخَيْرُ إِلَى الْخَيْرِ وَكَذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ ، وَلَا يَتَنَاهَى إِمْدَادُهُ بِالتَّرْغِيبِ بِالْخَيْرِ وَتَيْسِيرِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=6وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=7فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَفِي مِثْلِ هَذَا الْقَلْبِ يُشْرِقُ نُورُ الْمِصْبَاحِ مِنْ مِشْكَاةِ الرُّبُوبِيَّةِ حَتَّى لَا يَخْفَى فِيهِ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ الَّذِي هُوَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=9103أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ فَلَا " يَخْفَى عَلَى هَذَا النُّورِ خَافِيَةٌ وَلَا يَرُوجُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ ، بَلْ يَقِفُ الشَّيْطَانُ وَيُوحِي زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا فَلَا ، يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَهَذَا الْقَلْبُ بَعْدَ طَهَارَتِهِ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ يَصِيرُ عَلَى الْقُرْبِ مَعْمُورًا بِالْمُنْجِيَاتِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا مِنَ الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْفَقْرِ وَالزُّهْدِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَالشَّوْقِ وَالتَّوَكُّلِ وَالتَّفَكُّرِ وَالْمُحَاسَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ الْقَلْبُ الَّذِي أَقْبَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِوَجْهِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَلْبُ الْمُطْمَئِنُّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ .