فإن من تعود قلة الأكل كفاه من المال قدر يسير والذي تعود الشبع صار بطنه غريما ملازما له ، آخذا بمخنقه في كل يوم فيقول : ماذا تأكل اليوم ? فيحتاج إلى أن يدخل المداخل فيكتسب من الحرام فيعصي أو من الحلال فيذل وربما يحتاج إلى أن يمد أعين الطمع إلى الناس ، وهو غاية الذل والقماءة والمؤمن خفيف المؤنة ، وقال بعض الحكماء : إني لأقضي عامة حوائجي بالترك فيكون ذلك أروح لقلبي وقال آخر : إذا أردت أن أستقرض من غيري لشهوة أو زيادة استقرضت من نفسي ، فتركت الشهوة فهي ، خير غريم لي وكان الفائدة التاسعة : خفة المئونة رحمه الله يسأل أصحابه عن سعر المأكولات فيقول : إنها غالية . فيقول : أرخصوها بالترك وقال سهل رحمه الله إبراهيم بن أدهم ; إن كان من أهل العبادة فيكسل وإن كان مكتسبا فلا يسلم من الآفات . الأكول مذموم في ثلاثة أحوال
وإن كان ممن يدخل عليه شيء فلا ينصف الله تعالى من نفسه .
وبالجملة سبب هلاك الناس حرصهم على الدنيا وسبب حرصهم على الدنيا البطن والفرج ، وسبب شهوة الفرج شهوة البطن وفي تقليل الأكل ما يحسم هذه الأحوال كلها وهي أبواب النار ، وفي حسمها فتح أبواب الجنة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : أديموا قرع باب الجنة بالجوع فمن قنع برغيف في كل يوم ، قنع في سائر الشهوات أيضا ، وصار حرا واستغنى عن الناس ، واستراح من التعب وتخلى لعبادة الله عز وجل وتجارة الآخرة فيكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وإنما لا تلهيهم لاستغنائهم عنها بالقناعة وأما المحتاج فتلهيه لا محالة .