الفائدة الثامنة يستفيد من قلة الأكل صحة البدن ودفع الأمراض فإن سببها ثم المرض يمنع من العبادات ويشوش القلب ويمنع من الذكر والفكر ، وينغص العيش ، ويحوج إلى القصد والحجامة والدواء والطبيب ، وكل ذلك يحتاج إلى مؤن ونفقات لا يخلو الإنسان منها بعد التعب عن أنواع من المعاصي واقتحام الشهوات ، وفي الجوع ما يمنع ذلك كله . كثرة الأكل وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق
حكي أن الرشيد جمع أربعة أطباء : هندي ورومي وعراقي وسوادي وقال ليصف كل واحد منكم . فقال الهندي : الدواء الذي لا داء فيه عندي هو الإهليلج الأسود وقال العراقي : هو حب الرشاد الأبيض . وقال الرومي : هو عندي الماء الحار وقال . السوادي وكان أعلمهم : الإهليلج يعفص المعدة وهذا داء ، وحب الرشاد يزلق المعدة وهذا داء ، والماء الحار يرخي المعدة ، وهذا داء قالوا فما . عندك ? فقال : الدواء الذي لا داء معه عندي أن لا تأكل الطعام حتى تشتهيه ، وأن ترفع يدك عنه وأنت تشتهيه فقالوا : صدقت وذكر لبعض الفلاسفة من أطباء أهل الكتاب قول النبي صلى الله عليه وسلم : الدواء الذي لا داء فيه فتعجب منه وقال : ما سمعت كلاما في قلة الطعام أحكم من هذا ، وإنه لكلام حكيم وقال صلى الله عليه وسلم : ثلث للطعام ، وثلث للشراب ، وثلث للنفس البطنة أصل الداء ، والحمية أصل الدواء ، وعودوا كل جسم ما اعتاد وأظن تعجب الطبيب جرى من هذا الخبر ، لا من ذاك وقال ابن سالم من أكل خبز الحنطة بحتا بأدب ، لم يعتل إلا علة الموت . قيل : وما الأدب ? قال تأكل : بعد الجوع وترفع ، قبل الشبع .
وقال بعض أفاضل الأطباء في ذم الاستكثار إن الرمان وأضر ما أدخل معدته المالح ولأن يقلل من المالح خيرا له من أن يستكثر من الرمان وفي الحديث : أنفع ما أدخل الرجل بطنه . صوموا تصحوا
ففي الصوم والجوع وتقليل الطعام صحة الأجسام وصحة القلوب من سقم الطغيان والبطر وغيرهما .