أما علاج هذين المانعين فهو أن يقول لقلبه : ما أشد غباوتك في الاحتراز من الفكر في الموت ، وما بعده تألما بذكره مع استحقار ألم مواقعته ، فكيف تصبر على مقاساته إذا وقع ، وأنت عاجز عن الصبر على تقدير الموت وما بعده ومتألم به . وأما الثاني ، وهو كون الفكر مفوتا للذات الدنيا فهو أن يتحقق أن فوات لذات الآخرة أشد وأعظم ، فإنها لا آخر لها ، ولا كدورة فيها ، ولذات الدنيا سريعة الدثور وهي مشوبة بالمكدرات ، فما فيها لذة صافية عن كدر ، وكيف وفي التوبة عن المعاصي والإقبال على الطاعة تلذذ بمناجاة الله تعالى ، واستراحة بمعرفته وطاعته .
وطول الأنس به ، ولو لم يكن للمطيع جزاء على عمله إلا ما يجده من حلاوة الطاعة وروح الأنس بمناجاة الله تعالى لكان ذلك كافيا فكيف بما ينضاف إليه من نعيم الآخرة ، نعم هذه اللذة لا تكون في ابتداء التوبة ، ولكنها بعد ما يصير عليها مدة مديدة وقد صار الخير ديدنا كما كان الشر ديدنا فالنفس قابلة ما عودتها تتعود والخير عادة ، والشر لجاجة .
فإذن هذه الأفكار هي المهيجة للخوف المهيج لقوة الصبر عن اللذات ومهيج هذه الأفكار وعظ الوعاظ ، وتنبيهات تقع للقلب بأسباب تتفق لا تدخل في الحصر فيصير الفكر موافقا للطبع فيميل القلب إليه ويعبر عن السبب الذي أوقع الموافقة بين الطبع والفكر الذي هو سبب الخير بالتوفيق ; إذ التوفيق هو التأليف بين الإرادة ، وبين المعنى الذي هو طاعة نافعة في الآخرة وقد روي في حديث طويل أنه قام فقال عمار بن ياسر لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن الكفر على ماذا بني ? فقال رضي الله عنه : بني على أربع دعائم : على الجفاء ، والعمى ، والغفلة ، والشك ، فمن جفا احتقر الحق ، وجهر بالباطل ، ومقت العلماء ومن عمي نسي الذكر ، ومن غفل حاد عن الرشد ، ومن شك غرته الأماني فأخذته الحسرة والندامة ، وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب ، فما ذكرناه بيان لبعض علي وهذا القدر في التوبة كاف وإذا كان الصبر ركنا من أركان دوام التوبة فلا بد من بيان الصبر ، فنذكره في كتاب مفرد إن شاء الله تعالى . آفات الغفلة عن التفكر