ثم جعل مفصل اللحيين متخلخلا ، بحيث يتقدم الفك الأسفل ويتأخر ، حتى يدور على الفك الأعلى دوران الرحى ولولا ذلك ، لما تيسر إلا ضرب أحدهما على الآخر ، مثل تصفيق اليدين مثلا ، وبذلك لا يتم الطحن فجعل اللحي الأسفل متحركا حركة دورية ، واللحي الأعلى ثابتا لا يتحرك : فانظر إلى فإن كل رحى صنعه الخلق فيثبت منه الحجر الأسفل ويدور الأعلى إلا هذا الرحى الذي صنعه الله تعالى إذ يدور منه الأسفل على الأعلى فسبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه ، وأتم برهانه ، وأوسع امتنانه . ثم هب أنك وضعت الطعام في فضاء الفم فكيف يتحرك الطعام إلى ما تحت الأسنان أو كيف تستجره الأسنان إلى نفسها وكيف يتصرف باليد في داخل الفم ؟ فانظر كيف أنعم الله عليك بخلق اللسان فإنه يطوف في جوانب الفم ، ويرد الطعام من الوسط إلى الأسنان بحسب الحاجة كالمجرفة التي ترد الطعام إلى الرحى . عجيب صنع الله تعالى
هذا مع ما فيه من فائدة الذوق وعجائب قوة النطق والحكم التي لسنا نطنب بذكرها .