بيان بالإضافة إلى ما يخاف منه أقسام الخوف
اعلم أن الخوف لا يتحقق إلا بانتظار مكروه والمكروه إما أن يكون مكروها في ذاته كالنار وإما أن يكون مكروها لأنه يفضي إلى المكروه كما تكره المعاصي لأدائها إلى مكروه في الآخرة وكما يكره المريض الفواكه المضرة لأدائها إلى الموت . فلا بد لكل خائف من أن يتمثل في نفسه مكروها من أحد القسمين ، ويقوى انتظاره في قلبه حتى يحرق قلبه بسبب استشعاره ذلك المكروه ومقام الخائفين يختلف فيما يغلب على قلوبهم من المكروهات المحذورة ، فالذين يغلب على قلوبهم ما ليس مكروها لذاته بل لغيره ، كالذين يغلب عليهم خوف الموت قبل التوبة ، أو خوف نقض التوبة ونكث العهد أو خوف ضعف القوة عن الوفاء بتمام حقوق الله تعالى أو خوف زوال رقة القلب وتبدلها بالقساوة
أو خوف الميل عن الاستقامة أو خوف استيلاء العادة في اتباع الشهوات المألوفة أو خوف أن يكله الله تعالى إلى حسناته التي اتكل عليها وتعزز بها في عباد الله أو خوف البطر بكثرة نعم الله عليه أو خوف الاشتغال عن الله بغير الله أو خوف الاستدراج بتواتر النعم أو خوف انكشاف غوائل طاعاته حيث يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب أو خوف تبعات الناس عنده في الغيبة والخيانة والغش وإضمار السوء أو خوف ما لا يدرى أنه يحدث في بقية عمره أو خوف تعجيل العقوبة في الدنيا والافتضاح قبل الموت أو خوف الاغترار بزخارف الدنيا أو خوف اطلاع الله على سريرته في حال غفلته عنه
أو خوف الختم له عند الموت بخاتمة السوء أو خوف السابقة التي سبقت له في الأزل
فهذه كلها مخاوف ولكل واحد خصوص فائدة ، وهو سلوك سبيل الحذر عما يفضي إلى المخوف ، فمن يخاف استيلاء العادة عليه فيواظب على الفطام عن العادة ، والذي يخاف من اطلاع الله تعالى على سريرته يشتغل بتطهير قلبه عن الوساوس وهكذا إلى بقية الأقسام
وأغلب هذه المخاوف على المتقين خوف الخاتمة ؛ فإن الأمر فيه مخطر : وأعلى الأقسام وأدلها على كمال المعرفة خوف السابقة لأن الخاتمة تتبع السابقة ، وفرع يتفرع عنها ، بعد تخلل أسباب كثيرة ، فالخاتمة تظهر ما سبق به القضاء في أم الكتاب .