(الشطر الثاني من الكتاب) في أحوال التوكل وأعماله .
وفيه بيان حال التوكل وبيان ما قاله الشيوخ في حد التوكل وبيان التوكل في الكسب للمنفرد والمعيل وبيان التوكل بقدر الادخار وبيان التوكل في دفع المضار وبيان التوكل في إزالة الضرر بالتداوي وغيره والله الموفق برحمته .
بيان حال التوكل .
قد ذكرنا أن مقام التوكل ينتظم من علم وحال وعمل وذكرنا العلم .
فأما الحال فالتوكل بالتحقيق عبارة عنه وإنما العلم أصله والعمل ثمرته وقد أكثر الخائضون في بيان حد التوكل واختلفت عباراتهم وتكلم كل واحد عن مقام نفسه وأخبر عن حده كما جرت عادة أهل التصوف به ولا فائدة في النقل والإكثار فلنكشف الغطاء عنه ونقول : التوكل مشتق من الوكالة يقال : وكل أمره إلى فلان أي : فوضه إليه واعتمد عليه فيه ويسمى الموكول إليه وكيلا ويسمى المفوض إليه متكلا عليه ومتوكلا عليه مهما اطمأنت إليه نفسه ووثق به ولم يتهمه فيه بتقصير ولم يعتقد فيه عجزا وقصورا فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده .
ولنضرب للوكيل في الخصومة مثلا فنقول : من ادعى عليه دعوى باطلة بتلبيس فوكل للخصومة من يكشف ذلك التلبيس منتهى الهداية ، ومنتهى القوة ، ومنتهى الفصاحة ، ومنتهى الشفقة أما الهداية فليعرف بها مواقع التلبيس حتى لا يخفى عليه من غوامض الحيل شيء أصلا وأما القدرة والقوة فليستجرئ على التصريح بالحق فلا يداهن ولا يخاف ولا يستحي ولا يجبن فإنه ربما يطلع على وجه تلبيس خصمه فيمنعه الخوف أو الجبن أو الحياء أو صارف آخر من الصوارف المضعفة للقلب عن التصريح به وأما الفصاحة فهي أيضا من القدرة إلا أنها قدرة في اللسان على الإفصاح عن كل ما استجرأ القلب عليه وأشار إليه فلا كل عالم بمواقع التلبيس قادر بذلاقة لسانه على حل عقدة التلبيس . لم يكن متوكلا عليه ولا واثقا به ولا مطمئن النفس بتوكيله إلا إذا اعتقد فيه أربعة أمور :