وإذا انكشف لك وعلمت الحالة التي سميت توكلا فاعلم أن تلك الحالة لها في القوة والضعف ثلاث درجات : معنى التوكل
: الدرجة الأولى ما ذكرناه ، وهو أن يكون حاله في حق الله تعالى والثقة بكفالته وعنايته كحاله في الثقة بالوكيل ، الثانية : وهي أقوى ، فإنه لا يعرف غيرها ، ولا يفزع إلى أحد سواها ، ولا يعتمد إلا إياها ، فإذا رآها تعلق في كل حال بذيلها ولم يخلها وإن نابه أمر في غيبتها كان أول سابق إلى لسانه يا أماه وأول خاطر يخطر في قلبه أمه فإنها مفزعه ، فإنه قد وثق بكفالتها وكفايتها وشفقتها ثقة ليست خالية عن نوع إدراك بالتمييز الذي له ، ويظن أنه طبع من حيث إن الصبي لو طولب بتفصيل هذه الخصال لم يقدر على تلقين لفظه ، ولا على إحضاره مفصلا في ذهنه ، ولكن كل ذلك وراء الإدراك فمن كان باله إلى الله عز وجل ، ونظره إليه ، واعتماده عليه كلف به ، كما يكلف الصبي بأمه ، فيكون متوكلا حقا ، فإن الطفل متوكل على أمه والفرق بين هذا وبين الأول أن هذا متوكل ، وقد فني في توكله عن توكله ؛ إذ ليس يلتفت قلبه إلى التوكل وحقيقته ، بل إلى المتوكل عليه فقط فلا ، مجال في قلبه لغير المتوكل عليه ، وأما الأول فيتوكل بالتكلف والكسب ، وليس فانيا عن توكله لأن له التفاتا ، إلى توكله وشعورا به ، وذلك شغل صارف عن ملاحظة المتوكل عليه وحده ، وإلى هذه الدرجة أشار سهل حيث أن يكون حاله مع الله تعالى كحال الطفل مع أمه قال : ترك الاختيار وهو إشارة إلى الدرجة الثانية ، وسئل عن أعلاه فلم يذكره ، وقال : لا يعرفه إلا من بلغ أوسطه . سئل عن التوكل ما أدناه ؟ قال : ترك الأماني قيل وأوسطه