وسئل حمدون القصار عن التوكل فقال : إن كان لك عشرة آلاف درهم وعليك دانق دين لم تأمن أن تموت ويبقى دينك في عنقك ولو كان عليك عشرة آلاف درهم دين من غير أن تترك لها وفاء ، لا تيأس من الله تعالى أن يقضيها عنك وهذا إشارة إلى مجرد الإيمان بسعة القدرة وأن في المقدورات أسبابا خفية سوى هذه الأسباب الظاهرة .
وسئل أبو عبد الله القرشي عن التوكل فقال فقال السائل : زدني فقال ترك كل سبب يوصل إلى سبب حتى يكون الحق هو المتولي لذلك فالأول عام للمقامات الثلاث والثاني : إشارة إلى المقام الثالث خاصة وهو مثل توكل التعلق بالله تعالى في كل حال إبراهيم صلى الله عليه وسلم ؛ إذ قال له جبريل عليه السلام : ألك حاجة فقال : أما إليك فلا إذ كان سؤاله سببا يفضي إلى سبب ، وهو حفظ جبريل له فترك ذلك ثقة بأن الله تعالى إن أراد سخر جبريل لذلك ، فيكون هو المتولي لذلك ، وهذا حال مبهوت غائب عن نفسه بالله تعالى ، فلم ير معه غيره .
وهو حال عزيز في نفسه ودوامه إن وجد أبعد منه وأعز .
وقال أبو سعيد الخراز التوكل اضطراب بلا سكون ، وسكون بلا اضطراب ولعله يشير إلى المقام الثاني ، فسكونه بلا اضطراب إشارة إلى سكون القلب إلى الوكيل وثقته به واضطراب بلا سكون إشارة إلى فزعه إليه ، وابتهاله وتضرعه بين يديه ، كاضطراب الطفل بيديه إلى أمه ، وسكون قلبه إلى تمام شفقتها .
وقال أبو علي الدقاق التوكل ثلاث درجات : التوكل ، ثم التسليم ، ثم التفويض .