المقام الثاني أن يقعد في بيته أو في مسجد ولكنه في القرى والأمصار وهذا أضعف من الأول لكنه ، أيضا متوكل ؛ لأنه تارك للكسب والأسباب الظاهرة ، معول على فضل الله تعالى في تدبير أمره من جهة الأسباب الخفية ، ولكنه إلا أن ذلك لا يبطل توكله إذا كان نظره إلى الذي يسخر له سكان البلد لإيصال رزقه إليه ، لا إلى سكان البلد ؛ إذ يتصور أن يغفل جميعهم عنه ويضيعوه لولا فضل الله تعالى بتعريفهم وتحريك دواعيهم المقام الثالث : أن يخرج ويكتسب اكتسابا على الوجه الذي ذكرناه في الباب الثالث والرابع من كتاب آداب الكسب وهذا بالقعود في الأمصار متعرض لأسباب الرزق ، فإن ذلك من الأسباب الجالبة إذا لم يكن طمأنينة نفسه إلى كفايته وقوته وجاهه وبضاعته فإن ذلك ربما يهلكه الله تعالى جميعه في لحظة ، بل يكون نظره إلى الكفيل الحق بحفظ جميع ذلك وتيسير أسبابه له ، بل يرى كسبه وبضاعته وكفايته بالإضافة إلى قدرة الله تعالى ، كما يرى القلم في يد الملك الموقع فلا يكون نظره إلى القلم ، بل إلى قلب الملك أنه بماذا يتحرك وإلى ماذا يميل وبم ؟ يحكم ؟ ثم إن كان هذا المكتسب مكتسبا لعياله أو ليفرق على المساكين فهو ببدنه مكتسب وبقلبه عنه منقطع ، فحال هذا أشرف من حال القاعد في بيته . السعي لا يخرجه أيضا عن مقامات التوكل