والدليل على أن إذا روعيت فيه الشروط ، وانضاف إليه الحال والمعرفة ، كما سبق أن الصديق : رضي الله عنه : لما بويع بالخلافة أصبح آخذا الأثواب تحت حضنه والذراع بيده ، ودخل السوق ينادي حتى كرهه المسلمون وقالوا : كيف تفعل ذلك ، وقد أقمت لخلافة النبوة فقال : لا تشغلوني عن عيالي فإني إن أضعتهم كنت لما سواهم أضيع حتى فرضوا له قوت أهل بيت من المسلمين فلما رضوا بذلك رأى مساعدتهم وتطييب قلوبهم ، واستغراق الوقت بمصالح المسلمين أولى ويستحيل أن يقال : لم يكن الصديق في مقام التوكل فمن أولى بهذا المقام منه فدل على أنه كان متوكلا لا باعتبار ترك الكسب والسعي ، بل باعتبار قطع الالتفات إلى قوته وكفايته ، والعلم بأن الله هو ميسر الاكتساب ومدبر ، الأسباب وبشروط كان يراعيها في طريق الكسب من الاكتفاء بقدر الحاجة من غير استكثار وتفاخر وادخار ومن غير أن يكون درهمه أحب إليه من درهم غيره فمن دخل السوق ودرهمه أحب إليه من درهم غيره فهو حريص على الدنيا ، ومحب لها . الكسب لا ينافي حال التوكل