وما كان كان أحمد بن حنبل قد أمر أبا بكر المروزي أن يعطي بعض الفقراء شيئا فضلا عما كان استأجره عليه فرده فلما ولى قال له أحمد : الحقه وأعطه فإنه يقبل فلحقه وأعطاه فأخذه فسأل أحمد عن ذلك : فقال كان قد استشرفت نفسه فرد فلما خرج ، انقطع طمعه وأيس فأخذه وكان الخواص رحمه الله إذا نظر إلى عبد في العطاء ، أو خاف اعتياد النفس لذلك لم يقبل منه شيئا . المتوكلون يأخذون ما تستشرف إليه نفوسهم
وقال الخواص بعد أن سئل عن أعجب ما رآه في أسفاره رأيت الخضر ورضي بصحبتي ولكني فارقته خيفة أن تسكن نفسي إليه ، فيكون نقصا في توكلي فإذا المكتسب إذا راعى آداب الكسب وشروط نيته ، كما سبق في كتاب الكسب وهو أن لا يقصد به الاستكثار ولم يكن اعتماده على بضاعته وكفايته كان متوكلا .
فإن قلت : فما علامة عدم اتكاله على البضاعة والكفاية ، فأقول : علامته أنه إن سرقت بضاعته ، أو خسرت تجارته ، أو تعوق أمر من أموره كان راضيا به ولم تبطل طمأنينته ، ولم يضطرب قلبه ، بل كان حال قلبه في السكون قبله وبعده واحدا فإن من لم يسكن إلى شيء لم يضطرب لفقده ، ومن اضطرب لفقد شيء فقد سكن إليه وكان بشر يعمل المغازل فتركها وذلك ، لأن البغدادي كاتبه قال : بلغني أنك استعنت على رزقك بالمغازل ، أرأيت إن أخذ الله سمعك وبصرك الرزق على من ؟ فوقع ذلك في قلبه فأخرج آلة المغازل من يده وتركها وقيل تركها لما نوهت باسمه وقصد لأجلها وقيل فعل ذلك لما مات عياله ، كما كان لسفيان خمسون دينارا يتجر فيها ، فلما مات عياله فرقها .