فكما أن الخبز دواء الجوع ، والماء دواء العطش فالسكنجبين ، دواء الصفراء ، والسقمونيا دواء الإسهال ، لا يفارقه إلا في أحد أمرين أحدهما أن معالجة الجوع والعطش بالماء والخبز جلي واضح ، يدركه كافة الناس ، ومعالجة الصفراء بالسكنجبين يدركه بعض الخواص ، فمن أدرك ذلك بالتجربة التحق في حقه بالأول والثاني أن الدواء يسهل والسكنجبين يسكن الصفراء بشروط أخر في الباطن ، وأسباب في المزاج ربما يتعذر الوقوف على جميع شروطها ، وربما يفوت بعض الشروط ، فيتقاعد الدواء عن الإسهال وأما زوال العطش فلا يستدعي سوى الماء شروطا كثيرة ، وقد يتفق من العوارض ما يوجب دوام العطش مع كثرة شرب الماء ولكنه نادر واختلال الأسباب أبدا ينحصر في هذين الشيئين ، وإلا فالمسبب يتلو السبب لا محالة مهما تمت شروط السبب وكل ذلك بتدبير مسبب الأسباب ، وتسخيره ، وترتيبه بحكم حكمته ، وكمال قدرته ، فلا يضر المتوكل استعماله مع النظر إلى مسبب الأسباب ، دون الطبيب والدواء . والأدوية أسباب مسخرة بحكم الله تعالى كسائر الأسباب
فقد روي عن موسى صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا رب ، ممن الداء والدواء ، فقال تعالى : مني ، قال : فما يصنع الأطباء قال : يأكلون أرزاقهم ، ويطيبون نفوس عبادي حتى يأتي شفائي ، أو قضائي .