وعن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى : الإخلاص سر من سري ، استودعته قلب من أحببت من عبادي وقال كرم الله وجهه: لا تهتموا لقلة العمل ، واهتموا للقبول ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل علي بن أبي طالب أخلص العمل يجزك منه القليل وقال عليه السلام : وقال عليه الصلاة والسلام : " أول من يسأل يوم القيامة ثلاثة : رجل آتاه الله العلم فيقول الله تعالى ما صنعت فيما علمت ؟ فيقول يا رب : كنت أقوم آناء الليل وأطراف النهار ، فيقول الله تعالى : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، بل أردت أن يقال : فلان عالم ، ألا فقد قيل ذلك . " ما من عبد يخلص لله العمل أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه "
ورجل آتاه الله مالا فيقول الله تعالى : لقد أنعمت عليك فماذا صنعت ؟ فيقول يا رب : كنت أتصدق به آناء الليل وأطراف النهار . فيقول الله تعالى : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، بل أردت أن يقال : فلان جواد ، ألا فقد قيل ذلك .
ورجل قتل في سبيل الله تعالى ، فيقول الله تعالى : ماذا صنعت ؟ فيقول يا رب : أمرت بالجهاد ، فقاتلت حتى قتلت . فيقول الله : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت بل أردت أن يقال : فلان شجاع ، ألا فقد قيل ذلك قال " ثم خبط رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذي ، وقال : يا أبو هريرة أولئك أول خلق تسعر نار جهنم بهم يوم القيامة " فدخل راوي هذا الحديث على أبا هريرة وروى له ذلك فبكى حتى كادت نفسه تزهق ، ثم قال : صدق الله إذ قال : معاوية من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الآية .
وفي الإسرائيليات أن عابدا كان يعبد الله دهرا طويلا ، فجاءه قوم فقالوا : إن ههنا قوما يعبدون شجرة من دون الله تعالى ، فغضب لذلك وأخذ ، فأسه على عاتقه وقصد الشجرة ليقطعها فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال أين تريد رحمك الله ؟ قال أريد أن أقطع هذه الشجرة قال وما أنت وذاك ، تركت عبادتك واشتغالك بنفسك ، وتفرغت لغير ذلك ! فقال إن هذا من عبادتي ، قال فإني لا أتركك أن تقطعها ، فقاتله فأخذه العابد فطرحه إلى الأرض ، وقعد على صدره ، فقال له إبليس : أطلقني حتى أكلمك ، فقام عنه فقال إبليس : يا هذا إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرضه عليك وما تعبدها أنت وما عليك من غيرك ولله تعالى أنبياء في أقاليم الأرض ولو شاء لبعثهم إلى أهلها ، وأمرهم بقطعها فقال . العابد : لا بد لي من قطعها فنابذه للقتال فغلبه العابد وصرعه وقعد على صدره فعجز إبليس فقال له هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع قال : وما هو ؟ قال : أطلقني حتى أقول لك ، فأطلقه فقال إبليس : أنت رجل فقير لا شيء لك ، إنما أنت كل على الناس ، يعولونك ، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك ، وتواسي جيرانك وتشبع وتستغني عن الناس ، قال نعم . قال : فارجع عن هذا الأمر ولك علي أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارين إذا أصبحت أخذتهما فأنفقت على نفسك وعيالك وتصدقت على إخوانك فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين من قطع هذه الشجرة التي يغرس مكانها ، ولا يضرهم قطعها شيئا ، ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك إياها فتفكر العابد فيما قال وقال : صدق الشيخ ، لست بنبي فيلزمني قطع هذه الشجرة ، ولا أمرني الله أن أقطعها ، فأكون عاصيا بتركها وما ذكره أكثر منفعة فعاهده على الوفاء بذلك ، وحلف له ، فرجع العابد إلى متعبده ، فبات فلما أصبح رأى دينارين عند رأسه ، فأخذهما ، وكذلك الغد ، ثم أصبح اليوم الثالث وما بعده فلم ير شيئا .
فغضب ، وأخذ فأسه على عاتقه فاستقبله إبليس في صورة شيخ ، فقال له : إلى أين قال : أقطع تلك الشجرة ، فقال : كذبت والله ما أنت بقادر على ذلك ، ولا سبيل لك إليها ، قال : فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة ، فقال : هيهات فأخذه إبليس وصرعه ، فإذا هو كالعصفور بين رجليه ، وقعد إبليس على صدره ، وقال : لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك ، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به ، قال يا هذا غلبتني فخل عني ، وأخبرني كيف غلبتك أولا وغلبتني الآن فقال لأنك غضبت أول مرة لله وكانت نيتك الآخرة فسخرني الله لك وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا فصرعتك .
هذه الحكايات تصديق قوله تعالى : إلا عبادك منهم المخلصين إذ لا يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص ولذلك كان رحمه الله تعالى يضرب نفسه ، ويقول : يا نفس أخلصي تتخلصي . معروف الكرخي
وقال يعقوب المكفوف المخلص : من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته ؟! وقال سليمان طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى .
وكتب رضي الله تعالى عنه إلى عمر بن الخطاب أبي موسى الأشعري من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس وكتب بعض الأولياء إلى أخ له : وقال أيوب السختياني تخليص النيات على العمال أشد عليهم من جميع الأعمال . أخلص النية في أعمالك يكفك القليل من العمل
وكان مطرف يقول : من صفا صفي له ، ومن خلط خلط عليه .
ورؤي بعضهم في المنام فقيل له : كيف وجدت أعمالك ؟ فقال : كل شيء عملته لله وجدته ، حتى حبة رمان لقطتها من طريق ، وحتى هرة ماتت لنا رأيتها في كفة الحسنات وكان في قلنسوتي خيط من حرير فرأيته في كفة السيئات وكان قد نفق حمار لي قيمته مائة دينار ، فما رأيت له ثوابا ، فقلت : موت سنور في كفة الحسنات وموت حمار ليس فيها فقيل لي : إنه قد وجه حيث بعثت به ، فإنه لما قيل لك : قد مات قلت : في لعنة الله ، فبطل أجرك فيه ، ولو قلت : في سبيل الله ، لوجدته في حسناتك .
وفي رواية قال : وكنت قد تصدقت بصدقة بين الناس ، فأعجبني نظرهم إلي ، فوجدت ذلك لا علي ولا لي قال سفيان لما سمع هذا ما أحسن حاله إذ لم يكن عليه فقد أحسن إليه .