أحدها: أن في (الصحيحين) ابتداء آدم على صورته، طوله ستون ذراعا"، وفي أحاديث أخر: "إن الله خلق آدم على صورته"، (ولم يتقدم ذكر أحد يعود الضمير إليه، [ ص: 424 ] وما ذكر بعضهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يضرب رجلا ويقول: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، فقال: "إن الله خلق آدم على صورته") أي على صورة هذا المضروب، فهذا شيء لا أصل له، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث. "خلق الله
الثاني أن الحديث الآخر لفظه: آدم على صورته" وليس في هذا ذكر أحد يعود الضمير إليه. "إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه، فإن الله خلق
الثالث: أن اللفظ الذي ذكره وتأويله، وهو قوله: ابن خزيمة، آدم على صورته". ليس فيه ذكر أحد يصلح عود الضمير إليه. "لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك، ووجها أشبه وجهك، فإن الله خلق
وقوله في التأويل: "أراد صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب، الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب، والذي [ ص: 425 ] قبح وجهه، فزجر صلى الله عليه وسلم أن يقول: ووجه من أشبه وجهك".
يقال له: لم يتقدم ذكر مضروب فيما رويته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في لفظه ذكر ذلك. بل قال: ولم يقل إذا قاتل أحدكم أحدا وإذا ضرب أحدا. "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته"
والحديث الآخر ذكرته من رواية ولفظه: الليث بن سعد، وليس في هذا ذكر مر حتى يصلح عود الضمير إليه. "ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك، ووجها أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته"
فإن قيل: قد يعود الضمير إلى ما دل عليه الكلام، وإن لم يكن مذكورا، كما في قوله تعالى: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران: 180] أي: البخل، لأن لفظ يبخلون يدل على المصدر الذي هو البخل، ومنه قول الشاعر: [ ص: 426 ]
إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف
أي إلى السفه.قيل: هذا إنما يكون فيما لا لبس فيه، حيث لم يتقدم ما يصلح لعود الضمير إليه، إلا ما دل عليه الخطاب، فيكون العلم بأنه لا بد للظاهر من مضمر يدل على ذلك. أما إذا تقدم اسم صريح قريب إلى الضمير فلا يصلح أن يترك عوده إليه، ويعود إلى شيء متقدم لا ذكر له في الخطاب. وهذا مما يعلم بالضرورة فساده في اللغات.
الرابع: أنه في مثل هذا لا يصلح إفراد الضمير، فإن الله خلق آدم على صورة بنيه كلهم، فتخصيص واحد لم يتقدم له ذكر بأن الله خلق آدم على صورته في غاية البعد، لاسيما وقوله "وإذا قاتل أحدكم" عام في كل مضروب والله خلق "وإذا ضرب أحدكم" آدم على صورهم جميعهم، فلا معنى لإفراد الضمير، وكذلك قوله: عام في كل مخاطب، والله قد خلقهم كلهم على [صورة] "لا يقولن أحدكم قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك" آدم.
[ ص: 427 ] الخامس: أن آدم خلقوا على صورة آدم، لم يخلق ذرية آدم على صورهم، فإن مثل [هذا] الخطاب إنما يقال فيه: خلق الثاني المتأخر في الوجود (على صورة الأول المتقدم وجوده. لا يقال إنه خلق [الأول] على صورة الثاني المتأخر في الوجود) كما يقال: خلق الخلق على غير مثال، أو نسج هذا على مثال هذا، ونحو ذلك.
فإنه في جميع هذا إنما يكون المصنوع المقيس [متأخرا] في الذكر عن المقيس عليه.
وإذا قيل: خلق الولد على صورة أبيه، أو على خلق أبيه، كان كلاما سديدا.
وإذا قيل: خلق الوالد على صورة ولده أو على خلقه، كان كلاما فاسدا.
بخلاف ما إذا ذكر التشبيه بغير لفظ الخلق، وما يقوم مقامه، مثل أن يقال: الوالد يشبه ولده، فإن هذا سائغ، لأن قوله: خلق. [ ص: 428 ] إخبار عن تكوينه وإبداعه على مثال غيره، ومن الممتنع أن الأول كون على مثال ما لم يكن بعد، وإنما يكون على مثال ما قد كان.
السادس: أنه إذا كان المقصود أن هذا المضروب والمشتوم يشبه آدم، فمن المعلوم أن هذا من الأمور الظاهرة المعلومة للخاص والعام، فلو أريد التعليل بذلك لقيل: فإن هذا يدخل فيه الأنبياء، أو فإن هذا يدخل فيه آدم، ونحو ذلك من العبارات التي تبين قبح كلامه، وهو اشتمال لفظه على ما يعلم هو وجوده.
أما مجرد إخباره بما يعلم وجوده كل أحد، فلا يستعمل في مثل هذا الخطاب.
السابع: أنه إذا أريد مجرد المشابهة لآدم وذريته لم يحتج إلى لفظ: خلق على كذا، فإن هذه العبارة إنما تستعمل فيما فعل على مثال غيره، بل يقال: فإن وجهه يشبه وجه آدم، أو فإن صورته تشبه صورة آدم.