الوجه [الثامن]: أن آدم، مثل قوله: "لا تقبحوا الوجه، فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن" وقوله في الطريق الآخر من حديث رواية الحديث من وجوه، فسائر الألفاظ تبطل عود الضمير إلى أبي هريرة: وقول "إذا ضرب أحدكم فليتجنب الوجه، فإن صورة الإنسان على صورة الرحمن" -فيما يذكره عن الله تعالى: "تعمد إلى خلق من خلقي، [ ص: 442 ] خلقتهم على صورتي فتقول لهم: اشربوا يا حمير". ابن عباس
فأما قوله: إن حديث قد ضعفه ابن عمر فإن ابن خزيمة أرسله، فخالف فيه الثوري وأن الأعمش الأعمش وحبيبا [ ص: 443 ] [مدلسان] فيقال: قد صححه إسحاق بن [راهويه] وهما أجل من وأحمد ابن حنبل، باتفاق الناس. ابن خزيمة
وأيضا: فمن المعلوم أن إذا أرسل هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكون قد سمعه من أحد، وإذا كان في إحدى الطريقين قد بين أنه أخذه عن عطاء ابن أبي رباح كان هذا بيانا وتفسيرا لما تركه وحذفه من الطريق الأخرى، ولم يكن هذا اختلافا أصلا. ابن عمر
وأيضا: فلو قدر أن عطاء لم يذكره إلا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن المعلوم أن عطاء من أجل التابعين قدرا، فإنه هو وسعيد بن المسيب، [ ص: 444 ] وإبراهيم النخعي أئمة التابعين في زمانهم، (وقد ذكر المصنف لهذا الحديث والحسن البصري، أن الأخبار في مثل هذا الجنس التي توجب العلم هي أعظم) من الأخبار التي توجب العمل، ومعلوم أن مثل كابن خزيمة عطاء لو أفتى في مسألة فقه بموجب خبر أرسله لكان ذلك يقتضي ثبوته عنده، ولهذا يجعل الفقهاء احتجاج المرسل بالخبر الذي أرسله دليلا على ثبوته عنده. فإذا كان عطاء قد جزم بهذا الخبر العلي عن [ ص: 445 ] النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الباب العظيم أيستجيز ذلك من غير أن يكون ثابتا عنده أن يكون قد سمعه من مجهول لا يعرف، أو كذاب، أو سيئ الحفظ؟!
وأيضا: فاتفاق السلف على رواية [هذا] الخبر ونحوه -مثل عطاء بن أبي رباح، وحبيب بن أبي ثابت، والأعمش، وأصحابهم من غير نكير سمع من أحد [لمثل] ذلك في ذلك العصر، مع أن هذه الروايات المتنوعة في مظنة الاشتهار- دليل على أن والثوري، آدم على صورة الرحمن، بل كانوا متفقين على إطلاق مثل هذا. وكراهة بعضهم لرواية ذلك في بعض الأوقات له نظائر فإن الشيء قد يمنع سماعه لبعض الجهال، وإن كان متفقا عليه بين علماء المسلمين. علماء الأمة لم تنكر إطلاق القول بأن الله خلق
وأيضا: فإن وأنها تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، فمن الممتنع [ ص: 446 ] أن يكون في عصر التابعين يتكلم أئمة ذلك العصر بما هو كفر وضلال ولا ينكر عليهم أحد، فلو كان قوله الله قد وصف هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس، آدم على صورة الرحمن" باطلا لكانوا كذلك. "خلق
وأيضا: فقد روي بهذا اللفظ من طريق والحديث المروي من طريقين مختلفين لم يتواطأ رواتهما يؤيد أحدهما الآخر، [ويستشهد] به ويعتبر به، بل قد يفيد ذلك العلم، إذ الخوف في الرواية من تعمد الكذب، أو من سوء الحفظ، فإذا كان الرواة ممن يعلم أنهم لا يتعمدون الكذب، أو كان الحديث ممن لا يتواطأ في العادة على اتفاق الكذب على لفظه، لم يبق إلا سوء الحفظ، فإذا كان قد حفظ كل منهما مثل ما حفظ الآخر، كان ذلك دليلا على أنه محفوظ، لاسيما إذا كان [ممن جرب] بأنه [لا ينسى] لما فيه من تحريه اللفظ والمعنى، ولهذا يحتج من منع المرسل به إذا روي من وجه [ ص: 447 ] آخر، ولهذا يجعل أبي هريرة، وغيره الحديث الحسن: ما روي من وجهين ولم يكن في طريقه [متهم] بالكذب ولا كان مخالفا للأخبار المشهورة. الترمذي
[ ص: 448 ] وأدنى أحوال هذا اللفظ أن يكون بهذه المنزلة.
وأيضا: فقد ثبت عن الصحابة أنهم تكلموا بمعناه كما في قول "تعمد إلى خلق من خلقي على صورتي". ابن عباس:
والمرسل إذا اعتضد به قول الصاحب احتج به من لا يحتج بالمرسل، وغيره. كالشافعي
وأيضا: ثبت بقول الصحابة ذلك، ورواية التابعين كذلك عنهم، أن هذا كان مطلقا بين الأئمة، ولم يكن منكورا بينهم.
وأيضا فعلم ذلك لا يؤخذ بالرأي، وإنما يقال توقيفا، ولا يجوز أن يكون مستند أخبار أهل الكتاب، الذي هو أحد الناهين لنا عن سؤالهم، ومع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تصديقهم أو تكذيبهم. ابن عباس
فعلم أن إنما قاله توقيفا من النبي صلى الله عليه وسلم ففي صحيح [ ص: 449 ] ابن عباس عن البخاري عن ابن شهاب، عبيد الله بن عبد الله: أن قال: "كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل على رسولكم أحدث الكتب عهدا بالرحمن، تقرؤونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب [الله] وغيروا فكتبوا بأيديهم الكتب، وقالوا هو من عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم". ابن عباس
[ ص: 450 ] وفي صحيح عن البخاري قال: أبي هريرة الآية. "كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل إليكم.."
فمعلوم مع هذا أن لا يكون مستندا فيما يذكره من صفات الرب أنه يأخذ ذلك عن أهل الكتاب، فلم يبق إلا أن يكون أخذ من الصحابة الذين أخذوه من النبي صلى الله عليه وسلم. ابن عباس