مع دعوى المدعي أنه يرد بذلك على ومن أعظم الضلال جحود ما [يوجد] في المخلوقات، [ ص: 460 ] وما أخبر الله به في كتابه، وجعل ذلك تأويل الأحاديث الدهرية، والفلاسفة، والأطباء، والمشبهة، وهو قد أضحك العقلاء على عقله، بما جحده من الحسيات والمعقولات، وألحد في آيات الله، بما افتراه من التأويلات، وأخبر عن الرسول أنه أخبر بجحد الموجودات، مع أن لفظه صلى الله عليه وسلم من أبعد شيء عن هذه الترهات.
وأما التأويل الخامس: فقوله: إن الصورة تذكر ويراد بها الصفة، يقال: شرحت له صورة هذه الواقعة، وذكرت له صورة هذه المسألة، والمراد أن الله تعالى خلق آدم من أول الأمر كاملا تاما في علمه، وقدرته، أو كونه سعيدا عارفا تائبا.
فيقال له: الصورة هي الصورة الموجودة في الخارج، [ ص: 461 ] ولفظ (ص) (و) (ر) يدل على ذلك، وما من موجود من الموجودات إلا له صورة في الخارج، وما يكون من الوقائع يشتمل على أمور كثيرة لها صورة موجودة، وكذلك المسؤول عنه من الحوادث وغيرها له صورة موجودة في الخارج، ثم تكون الصورة الموجودة ترتسم في النفس وقد تسمى صورة ذهنية، فقوله: شرحت له صورة الواقعة وأخبرني بصورة المسألة، إما أن يكون المراد به الصورة [الخارجية] أو الصورة الذهنية، وأما الصفة فهي في الأصل مصدر وصفت الشيء أصفه وصفا وصفة ثم يسمون [المفعول] باسم المصدر سنة جارية لهم، فيقولون لما يوصف به من المعاني: صفة. ثم قد يغلب أحد اللفظين في بعض الاصطلاحات كما اصطلح طائفة من الناس على أن جعلوا الوصف اسما للقول والصفة اسما للمعنى، كما أن طائفة أخرى جعلوا الجميع اسما للقول، والتحقيق أن كلا منهما يدل على هذا، [والواصف] للشيء لا يصفه حتى يعلمه فيرتسم مثاله في نفسه، ومن هنا يقام [ ص: 462 ] الدليل مقام الصفة. كما قد قيل في قوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون [الرعد: 35]. قال بعضهم: أي: صفة الجنة التي وعد المتقون.
وإذا كان ما في النفس من العلم بالشيء يسمى مثلا له، وصفة، فالصورة الذهنية هي المثل الذي يسمى أيضا صفة ومثلا.
ولهذا يقال: تصورت الشيء وتمثلت الشيء وتخيلته إذا صار في نفسك صورته، ومثاله، وخياله، كما يسمى مثاله الخارج صورة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال: "لعن الله المصورين" وقال: "من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ" كما يسمى (ذلك تمثالا في مثل قول علي: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه [ ص: 463 ] صورة". "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني ألا أدع تمثالا إلا طمسته) ولا قبرا [ ص: 464 ] مشرفا إلا سويته".
وقال العلماء كابن عباس، وعكرمة، وغيرهم: الصورة هي الرأس، فإذا قطع الرأس لم تبق صورة، ولهذا قال وأحمد لمن استفتاه: "إن كنت مصورا فصور الشجر وما لا روح فيه". ابن عباس
[ ص: 465 ] وسيأتي في الصحيحين من حديث القيامة قال فيه: هذا في حديث "ويحرم الله صورهم على النار". وفي حديث أبي سعيد، أبي هريرة: "حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود".
وقال تعالى: ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم [ ص: 466 ] [الأعراف: 11]. وقال تعالى: الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم [غافر: 64] وقال: يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك [الانفطار: 6-8].
وقوله: "إن لفظ الصورة يذكر ويراد به الصفة"، إن أراد به أن الصورة توصف بالقول، وأن لفظ الصورة يراد به ما يوصف بالقول من الصورة الخارجية، أو ما يطابقه من الصور الذهنية، فهذا قريب، ولكن هذا يوجب أن لفظ الصورة لا بد له من صورة خارجية وإن طابقها الصورة الذهنية، وإن أراد به أن لفظ الصفة قد لا يراد به إلا ما يقوم بالأعيان من المعاني، كالعلم والقدرة، فهذا باطل، لا يوجد في الكلام أن قول القائل: صورة فلان يراد بها مجرد الصفات القائمة به من العلم والقدرة، ونحو ذلك. بل هذا من [ ص: 467 ] البهتان على اللغة وأهلها.