وأيضا: آدم على صورة آدم، بمعنى على صفة فقول القائل: خلق آدم. لا يدل على أنه خلق على صفات الكمال ابتداء، ولو أريد بالصورة ما يتأخر عن وجوده، فإن المخلوق على صفة من الصفات يخلق عليها في مدة [و] في غير مدة، يبين ذلك أنه جعل أحد المحملين كونه خلق عارفا تائبا مقبولا عند الله، ومعلوم أن هذه الصفة تأخر وجودها عن ابتداء خلقه، فإن التوبة كانت بعد الذنب، فإذا كان لا ينافي كونه مخلوقا عليها فكذلك لا ينافي كونه مخلوقا على صفة العلم والقدرة، وإن تأخر ذلك عن وجوده، وإذا كان كذلك فلا فرق بينه وبين غيره، وأيضا: فهذا الذي ذكره من معنى الخبر باطل، فإن [آدم] لم يجعل ابتداء على صفة الكمال، بل بعد أن خلقه الله تعالى علمه الأسماء التي لم يكن بها عالما، كما علم بنيه البيان بعد أن خلقهم.
[ ص: 468 ] فهذه التأويلات التي هي ذكر دلالة اللفظ على معنى من المعاني تارة يكون المعنى باطلا، وتارة (يكون اللفظ غير دال عليه، وتارة يكون اللفظ دالا على نقيضه، وضده، وتارة) يجتمع من ذلك ما يجتمع، وهذا شأن أهل التحريف والإلحاد، نعوذ بالله من الغي والزيغ ونسأله الهدى والسداد.
وهذه التأويلات، وإن كان المؤسس مسبوقا بها، وهو إن كان قد نقل منها ما نقله من كتاب ونحوه، وهم أيضا مسبوقون بأمثالها، فقد كان من هو أقدم منهم يذكر من التأويلات ما هو أمثل من ذلك، إذ كل ما تقدم الزمان كان الناس أقرب إلى السداد في الثبوتات ،والقياسات الشرعيات، والعقليات، وكان قدماء أبي بكر بن فورك، الجهمية أعلم بما جاء به الرسول، وأحسن تأويلا من هؤلاء، كما تقدم فيما ذكره عن عن المروذي أنه ذكر له عن بعض المحدثين أحمد بالبصرة أنه [ ص: 469 ] قال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: آدم على صورته" قال: صورة [الطين]، قال: هذا جهمي، وقال: نسلم الخبر كما جاء، فأخبر "خلق الله أن هذا جهمي، كما أن من قال: على صورة الأرحام، فهو جهمي، لأن أحمد الجهمية هم الذين ينكرون الصفات، ويتأولون ما ورد في ذلك من الأخبار والآيات.
وهذا التأويل أجود مما تقدم، فإن قوله: "على صورة آدم" يقتضي أن يكون لآدم صورة خلق عليها، وتلك هي صورة الطين، فإن الله صور آدم طينا حتى يبس فصار صلصالا، ثم نفخ فيه الروح، ومراد هؤلاء أنه خلقه على تلك الصورة المصنوعة من الطين، لكن هذا أيضا فاسد، فإن قول القائل: خلق على تلك الصورة) يقتضي أن تكون له صورة أخرى خلقت على تلك الصورة، وآدم هو بعينه تلك الصورة التي خلق فيها الروح، بل تصويره هو خلقه من تراب، ثم من طين، كما قال تعالى: ولقد خلقناكم ثم صورناكم [الأعراف: 11] فقدم الخلق على التصوير، فكيف تكون الصورة التي لآدم [ ص: 470 ] سابقة على الخلق، حتى يقال: خلق آدم على تلك الصورة.