[ ص: 212 ] الوجه الحادي عشر: أن يقال أعظم الناس نفيا للصفات غلاة الفلاسفة والقرامطة وأئمتهم من المشركين الصابئين وغيرهم وهم لابد إذا أثبتوا الصانع أن يثبتوا وجوده ويثبتوا أنه واجب الوجود غير ممكن الوجود وأنه ابتدع العالم سواء قالوا إنه علة أو والد أو غير ذلك؛ فمسمى الوجود إن كان هو مسمى الوجوب لزم أن يكون كل موجود واجبا بنفسه، وهو خلاف المشهود بالإحساس، وإن كان هذا المسمى ليس هذا المسمى ففيه معنيان وجود ووجوب، وليس الوجوب مجرد عدم؛ إذ هو توكيد الوجود والعدم المحض لا يؤكد الوجود.
فإن كان لفظ الأحد والواحد يمنع تعدد المعاني المفهومة الثبوتية بالكلية كما يزعم وذووه من مرتدة العرب المتبعين لمرتدة ابن سينا الصابئة أنه إذا كان واحدا من كل وجه فليس فيه تعدد من جهة الصفة ولا من جهة القدر، ويعبر عن ذلك بأنه ليس فيه أجزاء حد ولا أجزاء كم؛ لزم أن يكون الوجوب والوجود والإبداع معنى واحدا وهو معلوم الفساد بالبديهة، وإن كان هو في نفسه [ ص: 213 ] متسما بالأحد والواحد مع ثبوت هذه المعاني المتعددة علم أن هذا الاسم بل هو سبحانه أحد واحد لا شبيه له ولا شريك وليس كمثله شيء بوجه من الوجوه، وكذلك هو أيضا ذات وهو قائم بنفسه باتفاق الخلائق كلهم، وسائر الذوات وكل ما هو قائم بنفسه يشاركه في هذا الاسم ومعناه كما يشاركه في اسم الوجود، ومعناه وهو سبحانه يتميز عن سائر الذوات وسائر ما هو قائم بنفسه بما هو مختص به من حقيقته التي تميز بها وانفرد واختص عن غيره كما تميز بوجوب وجوده وخصوص تلك الحقيقة ليس هو المعنى العام المفهوم من القيام بالنفس ومن الذوات، كما أن خصوص وجوب الوجود ليس هو المعنى العام المفهوم من الوجود؛ فسواء سمى المسمي هذا تعدادا أو تركيبا أو لم يسمه هو ثابت في نفس الأمر لا يمكن دفعه، والحقائق الثابتة لا تدفع بالعبارات المجملة المبهمة وإن شنع بها الجاهلون . لا يوجب نفي الصفات،