يوضح هذا الوجه التاسع: أن التي لا ريب في وجودها كالهواء والسطوحات ونحوها قد يعلو عليها الحيوان وتعلو عليه أخرى وتكون تارة عن يمينه وتارة عن شماله، مع أن حقائقها في جميع هذه الأحوال سواء لم يتجدد لها باختلاف الحال في كونه عالية وسافلة ومتيامنة ومتياسرة صفة أصلا. فإذا كانت الأحياز التي علم وجودها ولا يزال حكم الجهات يختلف فيها بكونها عالية وسافلة ومتيامنة ومتياسرة، وهي مع ذلك لا يحدث فيها شيء من التغير، فكيف يقال إنه لولا كون الأحياز التي هي الفوق والتحت واليمين واليسار مختلفة في الحقائق والماهيات وإلا لامتنع القول بأنه يجب حصوله في جهة فوق؟! ومما يوضح ذلك: الوجه العاشر: وهو أن رأس الإنسان ينبغي أن يكون مختصا بجهة فوق بالنسبة إلى سائر بدنه، ويده اليمنى يجب أن تكون مختصة بجهته اليمنى، ويده اليسرى يجب أن تكون مختصة بجهته اليسرى، وصدره وبطنه يجب أن يختص بجهة أمامه، وظهره يجب أن يختص بجهة خلفه، وأسفل قدميه يجب أن يختص بجهة تحته، ومع هذا الوجوب المعلوم بالإحساس ليس ذلك لاختلاف الأحياز التي اختصت بها [ ص: 621 ] هذه الأعضاء ولا لاختلاف صفاتها، بل هذا الاختصاص لا يؤثر في الجهات شيئا أصلا، وإنما الاختصاص لمعنى في الإنسان نفسه لا لمعنى في الجهات . حقائق الجهات