وقوله: إن المسمى بالحيز والجهة أمر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه قياس شمول عام عدل الله فيه بأحقر المخلوقات؛ فإن الأجسام الضعيفة من المواد والحيوان كالحجر والمدر والبعوضة ونحوها إذا كانت في مكان أو حيز؛ فلا ريب [ ص: 622 ] أنها قد تكون محتاجة إليه، وهو مستغن عنها، لكن قياس الله الخالق لكل شيء الغني عن كل شيء الصمد الذي يفتقر إليه كل شيء بالمخلوقات الضعيفة المحتاجة عدل لها برب العالمين، ومن عدلها برب العالمين فإنه في ضلال مبين، وذلك أن أعظم الأمكنة العرش، ولا خلاف بين المسلمين الذين يقولون إنه مستو عليه أو مستقر أو متمكن عليه والذين لا يقولون ذلك، أن العرش مفتقر إلى الله، والله غني عن العرش. ولا يقول أحد ممن يتظاهر بالإسلام أن الله يفتقر إلى العرش أو إلى غير العرش، بل هم متفقون على أن الله بقدرته الذي يمسك العرش وحملة العرش وسائر المخلوقات، هذا مع ما جاء في الآثار من إثبات مكانه تعالى كالحديث الذي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب تعالى: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني. أبو سعيد الخدري رواه
[ ص: 623 ] [ ص: 624 ] وفي شعر حسان:
تعالى علوا فوق عرش إلهنا وكان مكان الله أعلى وأرفعا
[ ص: 625 ] فقوله: إن الحيز والجهة أمر مستغن في وجوده عما يتمكن ويستقر فيه قضية عامة ضرب بها مثلا في قياس شمولي ليس معه فيه إلا مجرد وهؤلاء تمثيل الخالق بالمخلوق الضعيف الفقير، وإن كان من الجنس الحقير. الجهمية دائما يشركون بالله ويعدلون به ويضربون له الأمثال بأحقر المخلوقات بل بالمعدومات كما قدمنا التنبيه عليه غير مرة. فلما رأوا أن المستوي على الفلك أو الدابة أو السرير يستغني عن مكانه، قالوا: يجب أن يكون الله أيضا يستغني عن مكانه تشبيها له بهذا المخلوق العاجز الضعيف، ولما رأوا أن الحجر والمدر والشجر والأنثى والذكر يستغني عنه حيزه ومكانه، قالوا: فرب الكائنات مشبه بهذه المتحيزات في افتقاره إلى ما هو مستغن عنه، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.