الوجه الخامس عشر: قولك: لو كان مختصا لكان مفتقرا إلى غيره لفظ مجمل قد تقدم الكلام على نظيره غير مرة، وهو أن لفظ الغير عند كثير من بالحيز والجهة الصفاتية أو أكثرهم منهم أصحابك هو ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود أو ما جاز وجود أحدهما دون الآخر، وعند كثير من نفاة الصفات ومثبتيها ما جاز العلم [ ص: 632 ] بأحدهما دون الآخر، فما الذي تريد بلفظ الغير في قولك: لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان مفتقرا إلى غيره؟!
إن أردت به لكان مفتقرا إلى ما يجوز وجوده دونه؛ فهذا باطل. وعلى هذا التقدير فيمتنع افتقار الله إلى غيره لامتناع الغير الذي يجوز وجوده دونه كما يمتنع افتقاره إلى مثله لامتناع مثله ويمتنع خوفه من نده لامتناع نده؛ فالفقر والحاجة إلى ما يستغنى عنه محال. هذا إن أراد وجود ذلك الغير دونه. فليس في الموجودات ما يجوز وجوده دون الله،
وإن أراد وجود الله دون ذلك الغير، فيكون المعنى أنه مفتقر إلى الغير الذي يجوز وجود الله دونه، وهذا جمع بين النقيضين، فإنه إذا كان هو سبحانه موجودا دونه لم يكن مفتقرا إليه، وإذا كان مفتقرا إليه لم يكن سبحانه موجودا دونه؛ فقول القائل: [ ص: 633 ] إنه مفتقر إلى الغير الذي يوجد دونه. مثل قوله مفتقرا إلى ما هو سبحانه وتعالى مستغن عنه، وذلك مثل قول القائل: يفتقر لا يفتقر، ويستغني لا يستغني.
وكذلك إن أراد بالغير ما يجوز مفارقته لله بزمان أو مكان أو وجود؛ فالحيز الذي هو من لوازم وجوده كالصفة الذاتية اللازمة له لا يفارقه في زمان ولا مكان.