وإن سموه هم مفتقرا إلى غيره إذا ثبتت له هذه الصفات كما سمى المشركون والله سبحانه الغني بما له من الأسماء والصفات، وليس بمفتقر إلى غيره بوجه من الوجوه محمدا مذمما لما دعاهم إلى توحيد الله وعبادته.
وهذا حال فريق ممن خالف سلطان الله الذي بعث به رسله [ ص: 641 ] وسمى سبحانه الأشياء بما تستحقه من الأسماء من أهل الكفر والبدع - التي تشتمل على ما هو من الإيمان وما هو من الكفر - فإنهم يسمون الأشياء بأسماء تتضمن حمدا وذما ونفيا وإثباتا، وتلك الأسماء سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك مثل تسمية الكفار النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا وساحرا وكاهنا ومجنونا؛ وذلك لنوع شبهة قد أزاحها بما أظهره من البينات، فلما رأوا القرآن كلاما موزونا شبهوه بالشعر الموزون ورأوا الرسول يخبر بالغيوب عن روح ينزل إليه بها [ ص: 642 ] فشبهوه بالكاهن الذي يخبر بكلمة فيكذب معها مائة كذبة عن روح شيطاني ينزل عليه بها. ورأوه يزيل ما في النفوس من الاعتقادات الفاسدة والإرادات الفاسدة إلى الصحيح الذي فطر الله النفوس عليه فشبهوه بالساحر الذي يغير الأمر في إدراكاتهم وحركاتهم حتى يعتقدوا الشيء بخلاف ما هو عليه ويحبوا ما أبغضوه ويبغضوا ما أحبوه، ورأوه قد أتى بما يخالف عاداتهم الفاسدة وما يذمونه عليه، فشبهوه بالمجنون الذي يخرج عما يعرف في العقل ويأتي ما يذم عليه.
[ ص: 643 ] كذلك يسمي أهل البدع من اتبع سبيله الذي قال الله حكاية عنه: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [يوسف 108] بأسماء باطلة كتسمية الرافضة لهم ناصبة مع محبتهم أهل البيت وموالاتهم تشبيها لهم بمن يبغضهم ويعاديهم لاعتقادهم أن لا ولاية لهم إلا بالبراءة من الصحابة، وزعموا أنهم كانوا يعادونهم.
وكتسمية القدرية لهم مجبرة مع كونهم يعتقدون أن [ ص: 644 ] العبد فاعل حقيقة وله إرادة وقدرة، وتشبيها بمن يسلب العبد الفعل ويجعله كالجمادات التي لا إرادة لها لما اعتقدوا أن الله خالق كل شيء، وهو خالق العبد وصفاته وأفعاله.