الوجه الثامن: وهو أنهم نفوا الصفات وقالوا ليس له إلا صفة سلب أو إضافة أو مركبة منهما، قالوا: لأن الصفات تقتضي من التعدد والتركيب ما يقتضي الحاجة إلى الغير المنافية لوجوب الوجود، ومن المعلوم بالفطرة البديهية أن كون الذات قد تولد عنها ذات أخرى لا يمكن أن تنفصل عنها أصلا ولا يقدر على دفع لزومها وتولدها عنها، ولو أرادت ذلك لم ينفذ مرادها ولا يقدر أن يغير شيئا ولا يحدثه ولا يتصرف فيه بوجه من الوجوه، فهذه الذات أولى بالنقض من غير وجه من الذات المستغنية بما هي عليه من الصفات.
وقد قدمنا فيما تقدم الجواب عن شبهة التركيب الخارجة، وبينا أن ذلك كله ألفاظ مجملة مشتركة، وأن الموجود يمتنع أن [ ص: 273 ] يكون إلا بصفات ونفيها ينفي الوجود الواجب والممكن، وأما ما ذكروه من التولد والتعليل فالنقض فيه ظاهر، وأين من يتولد عنه الشيء بغير اختياره ممن يفعل باختياره؟! هذا من أبين الأمور الحسية العقلية: أن الذي يفعل باختياره أكمل ممن يتولد عنه الفعل من غير أن يقدر على منعه له أو يكون له اختيار في تركه، وهم وإن أثبتوا له غاية وربما يثبتون له إرادة تستلزم العالم فهم يتناقضون في ذلك، كما قد بسطناه في غير هذا الموضع وبينا أنه أنهم ينفون الاختيار ويثبتون من الحكمة الغائية في العالم ما يستلزم الاختيار وكذلك الغاية، ولا ريب أنهم كثيرو التناقض كما قد بيناه في غير هذا الموضع، وهذا حال كل من خالف الرسل يكون تناقضه على قدر مخالفته، ويقال لهم: الذي يمكنه الفعل والترك أكمل ممن لا يمكنه إلا الفعل، بل كثير من أهل الكلام يقول: الذي يقدر أن يريد الفعل ويقدر أن يريد الترك أكمل ممن لا يقدر على إرادة الترك، بل هو لا يمكنه إلا إرادة للفعل، بل هذا نوع من الخبر وإن كان فيه اختيارا، إلا أن ذلك أكمل، وإن كان كذلك [ ص: 274 ] وإذا كان لا بد من أن يكون هو على وجه يوجب وجود العالم على ما هو عليه، ثم يمكن أن يكون ذلك على وجه هو فيه أكمل من وجه، كان من [قال: إنه] على الوجه الأنقص دون الأكمل من أجهل الناس وأظلمهم لاسيما إذا ادعى امتناع الوجه الأكمل ولزوم الوجه الأنقص/. فكونه سبحانه على صفة يشاء الفعل ويشاء الترك أكمل من أن تكون ذاته لا تقتضي إلا شيئا معينا،