وقد اختلف الفقهاء في مقدار التعزير  على أقوال : أحدها : أنه بحسب المصلحة ، وعلى قدر الجريمة ، فيجتهد فيه ولي الأمر . 
الثاني : وهو أحسنها - أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحد فيها ، فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنا ، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع ، ولا على الشتم بدون القذف حد القذف . وهذا قول طائفة من أصحاب  الشافعي   وأحمد    . 
والقول الثالث : أنه يبلغ بالتعزير أدنى الحدود : إما أربعين ، وإما ثمانين وهذا قول كثير من أصحاب  الشافعي   وأحمد   وأبي حنيفة    . 
والقول الرابع : أنه لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط ، وهو أحد الأقوال في مذهب  أحمد  وغيره . 
وعلى القول الأول : هل يجوز أن يبلغ بالتعزير القتل ؟  فيه قولان : أحدهما : " يجوز ، كقتل الجاسوس المسلم ، إذا اقتضت المصلحة قتله " ، وهذا قول  مالك  وبعض أصحاب  أحمد  ، واختاره  ابن عقيل    . 
وقد ذكر بعض أصحاب  الشافعي   وأحمد  نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة ، كالتجهم والرفض ، وإنكار القدر . وقد قتل  عمر بن عبد العزيز  غيلان القدري  ، لأنه كان داعية إلى بدعته . 
وهذا مذهب  مالك  رحمه الله وكذلك قتل من لا يزول فساده إلا بالقتل . وصرح به أصحاب  أبي حنيفة  في قتل  [ ص: 95 ] اللوطي إذا أكثر من ذلك تعزيرا وكذلك قالوا : إذا قتل بالمثقل فللإمام أن يقتله تعزيرا ، وإن كان  أبو حنيفة  لا يوجب الحد في هذا ، ولا القصاص في هذا ، وصاحباه يخالفانه في المسألتين ، وهما مع جمهور الأمة . 
والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم يوافق القول الأول فإن { النبي صلى الله عليه وسلم : أمر بجلد الذي وطئ جارية امرأته - وقد أحلتها له - مائة   } . 
 وأبو بكر   وعمر  رضي الله عنهما : " أمرا بجلد من وجد مع امرأة أجنبية في فراش مائة جلدة " . 
وعلى هذا : يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد في الثالثة - أو في الرابعة - فاقتلوه   } فأمر بقتله إذا أكثر منه ، ولو كان ذلك حدا لأمر به في المرة الأولى . وأما ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده - وقد كتمه وأنكره - فيضرب ليقر به . فهذا لا ريب فيه . 
فإنه ضرب ليؤدي الواجب الذي يقدر على وفائه كما في حديث  ابن عمر    : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل خيبر  على الصفراء والبيضاء ، سأل زيد بن سعيد عم حيي بن أخطب    - فقال : أين كنز حيي  ؟ فقال : يا محمد  أذهبته النفقات ، فقال  للزبير    : دونك هذا ، فمسه  الزبير  بشيء من العذاب ، فدلهم عليه في خربة ، وكان حليا في مسك ثور   } فهذا أصل في ضرب المتهم . 
				
						
						
