الأول : خيبر - بخاء معجمة ، فتحتية ، فموحدة ، وزن جعفر : وهي اسم ولاية تشتمل على حصون ومزارع ، ونخل كثير ، على ثلاثة أيام من المدينة على يسار حاج الشام . والخيبر بلسان اليهود ، الحصن ، ولذا سميت خيابر أيضا - بفتح الخاء ، قاله ابن القيم مما ذكر ، وقال ابن إسحاق ابن عقبة ومحمد بن عمر وأبو سعد النيسابوري في الشرف : أنها بجبلة - بفتح الجيم والموحدة ابن جوال بفتح الجيم وتشديد الواو ، بعدها ألف ولام ، وقيل : سميت بأول [ ص: 152 ] من نزلها ، وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهلايل بن آدم بن عبيل ، وهو أخو عاد .
وذكر جماعة من الأئمة : أن بعضها فتح صلحا ، وبعضها فتح عنوة . وبه يجمع بين الروايات المختلفة في ذلك .
وروي عن الإمام - رحمه الله تعالى - أن الكتيبة أربعون ألف عذق . مالك ولابن زبالة حديث «ميلان في ميل من خيبر مقدس ، وحديث «خيبر مقدسة ، والسوارقية مؤتفكة ، وحديث «نعم القرية في سنيات الدجال خيبر» وتوصف خيبر بكثرة التمر .
قال - رضي الله عنه : حسان بن ثابت
وإنا ومن يهدي القصائد نحونا كمستبضع تمرا إلى أهل خيبر
وروى عن البخاري - رضي الله عنها - قال : لما فتحت عائشة خيبر : قلنا : الآن نشبع من التمر . وعن - رضي الله عنهما - قال : ما شبعنا من التمر حتى فتحت ابن عمر خيبر ، وتوصف خيبر بكثرة الحمى ، قدم خيبر أعرابي بعياله فقال :قلت لحمى خيبر استقري هاك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالد وورد أعانك الله على ذا الجند
قال - رحمه الله - في معجمه وفي أبو عبيد البكري الشق عين تسمى الحمة ، وهي التي سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمة الملائكة ، يذهب ثلثا مائها في فلج والثلث الآخر في «فلج» والمسلك واحد وقد اعتبرت منذ زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم يطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فتذهب اثنتان في الفلج الذي له ثلثا مائها ، وواحدة في الفلج الثاني ، ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث ، ومن قام في الفلج الذي يأخذ الثلثين ليرد الماء إلى الفلج الثاني غلبه الماء وفاض ، ولم يرجع إلى الفلج الثاني شيء يزيد على قدر الثلث وتشتمل خيبر على حصون كثيرة ، ذكر منها في القصة كثير .
الثاني : قال اختلف في أي سنة كانت غزوتها : : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بقية المحرم سنة سبع ، فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر . ابن إسحاق
وقال في المغازي عن يونس بن بكير من حديث ابن إسحاق المسور ومروان ، قالا :
الحديبية ، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة» [ ص: 153 ] فأعطاه الله فيها «انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر بقوله : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه [الفتح 20] ويعني خيبر ، فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم .
وذكر ابن عقبة عن ابن شهاب أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام بالمدينة عشرين ليلة أو نحوها ثم خرج إلى خيبر .
وعند ابن عائذ عن : أقام بعد الرجوع من ابن عباس الحديبية عشر ليال .
وعند سليمان التيمي خمسة عشر يوما .
قال الإمام رحمه الله - تعالى - : كان مالك خيبر سنة ست . فتح
والجمهور - كما في زاد المعاد : أنها في السابعة ، وقال الحافظ : إنه الراجح قالا :
ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي ، وهو ربيع الأول .
- رحمه الله - يرى أنه من شهر ربيع الأول . وابن حزم
الثالث : قال الحافظ : نقل عن الحاكم وكذا ذكره الواقدي ، ابن سعد أنها كانت في جمادى الأولى . فالذي رأيته في مغازي أنها كانت في صفر ، وقيل : في ربيع الأول ، وأغرب من ذلك ما رواه الواقدي : ابن سعد ، عن وابن أبي شيبة - رضي الله عنه - قال : خرجنا إلى أبي سعيد الخدري خيبر لثمان عشرة من رمضان ، الحديث . وإسناده حسن ، إلا أنه خطأ ، ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت ، وتوجيهه بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح ، وغزوة الفتح خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها في رمضان جزما ، وذكر الشيخ أبو حامد - رحمه الله - تعالى ، في التعليق : أنها كانت سنة خمس ، وهو وهم ، ولعله انتقال من الخندق إلى خيبر ، وأجاب بعضهم بأنه أسقط سنة المقدم أي وقطع النظر عن سنة الغزوة .
الرابع : قول عامر : اللهم لولا أنت ما اهتدينا ، قال الحافظ في هذا : القسم زحاف الخزم بالمعجمتين ، وهو زيادة سبب خفيف ، وفي الصحيح في الجهاد عن : أنه من شعر البراء بن عازب فيحتمل أن يكون هو عبد الله بن رواحة ، وعامر تواردا على ما توارد عليه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر واستعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة .
الخامس : استشكل قول عامر : «فداء» بأنه لا يقال في حق الله - تعالى ، إذ معنى «فداء» نفديك بأنفسنا ، فحذف متعلق الفعل للشهرة ، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء ، وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد ظاهرها ، بل المراد بها المحبة والتعظيم ، مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ ، وقيل : المخاطب بهذا الشعر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى ، لا تؤاخذنا بتقصيرنا في [ ص: 154 ]
حقك ونصرك ، وعلى هذا فقوله : «اللهم» لم يقصد به الدعاء ، وإنما افتتح بها الكلام ، والمخاطب بقوله : لولا أنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعكر عليه قوله بعد ذلك : فأنزلن سكينة علينا :
وثبت الأقدام إن لاقينا ، فإنه دعاء لله ، ويحتمل أن يكون المعنى ، فاسأل ربك أن ينزل ويثبت .
السادس : في بيان الروايات التي وردت في هذا الرجز ومعانيها .
وما اتقينا بتشديد الفوقية بعدها قاف ، أي ، ما تركنا من الأوامر ، «وما» ظرفية ، وللأصيلي والنسفي من رواية الصحيح بهمزة قطع ، فموحدة ساكنة ، أي ما خلفنا وراءنا مما كسبناه من الآثام ، أو ما أبقينا وراءنا من الذنوب ، فلم نتب منه وللقابسي : ما لقينا بلام وكسر القاف ، أي ما وجدنا من المناهي . ووقع في الأدب ما اقتفينا بقاف ساكنة ، ففوقية ، وفاء مفتوحتين ، فتحتية ساكنة ، أي اتبعنا من الخطايا ، من قفوت الأثر إذا تبعته ، وكذا عند مسلم ، وهو أشهر الروايات في هذا الرجز .
ألقين سكينة علينا . وفي رواية النسفي و «ألقي» بحذف النون ، وبزيادة ألف ولام في السكينة بغير تنوين ، وليس بموزون السكينة : الوقار ، والتثبت .
أتينا : بفوقية : أي جئنا إذا دعينا إلى القتال أو الحق ، وروي بالموحدة أي إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا وبالصياح عولوا علينا : أي قصدونا بالدعاء والصوت العالي ، واستعانوا علينا ، يقال :
عولت على فلان وعولت بفلان .
السابع : اختلف في خيبر ، هل كان عنوة أو صلحا ، وفي حديث فتح عبد العزيز بن صهيب عند في الصلاة : التصريح بأنه كان عنوة ، وبه جزم البخاري ، ورد على من قال فتحت صلحا ، قال : وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا ، بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم ، وهو ضرب من الصلح ، لكنه لم يقع ذلك إلا بحصار ، وقتال ، قال أبو عمر الحافظ - رحمه الله تعالى : والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل أهل ابن عمر خيبر ، فغلب على النخل فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ، ولهم ما حملت ركابهم ، على ألا يكتموا ولا يغيبوا الحديث . وفي آخره :
فسبى نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا ، وأراد أن يجليهم ، فقالوا : دعنا في هذه الأرض نصلحها . . الحديث ، ورواه أبو داود وغيرهما ، وكذلك أخرجه والبيهقي أبو الأسود في المغازي عن فعلى هذا كان وقع الصلح ، ثم حصل النقض منهم فزال أمر الصلح ، ثم من عليهم بترك القتل وإبقائهم عمالا بالأرض ، ليس لهم فيها ملك ، ولذلك [ ص: 155 ] عروة .
أجلاهم فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها . عمر ،
وجنح غير واحد من العلماء إلى أن بعضها فتح عنوة ، وبعضها فتح صلحا ، وليس بنا ضرورة إلى بسط الكلام على ذلك .
الثامن : زعم - رحمه الله تعالى - أن حديث نومهم عن الصلاة إنما كان الأصيلي بحنين لا بخيبر ، وأن ذكر خيبر خطأ ، ورد عليه أبو الوليد الباجي ، وأبو عمر فأجادا .
التاسع : اختلف في إسلام زينب بنت الحارث التي أهدت الشاة المسمومة وفي قتلها ، أما إسلامها ، فروى في مصنفه عن عبد الرزاق عن معمر أنها أسلمت ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركها . قال الزهري والناس يقولون قتلها . وجزم بإسلامها معمر : سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها : محمدا عبده ورسوله ، قال : وانصرف عنها حين أسلمت . «وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك ، وقد استبان لي أنك صادق ، وأنا أشهدك ومن حضرك أني على دينك ، وأن لا إله إلا الله ، وأن
وأما قتلها وتركها ، فروى البيهقي - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - ما عرض لها ، أبي هريرة عن وعن قال : فلم يعاقبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم جابر - ، وروى ابن سعد عن شيخه محمد بن عمر بأسانيد له متعددة هذه القصة ، وفي آخرها فدفعها إلى أولياء فقتلوها قال بشر بن البراء محمد بن عمر : وهو أثبت وروى من طريق أبو داود عن الزهري نحو رواية جابر عنه ، معمر لم يسمع من والزهري ورواه أيضا عن جابر ، أبي هريرة .
قال - رحمه الله - يحتمل أن يكون تركها أولا ، ثم لما مات البيهقي من الأكلة قتلها ، وبذلك أجاب بشر بن البراء السهيلي - رحمه الله تعالى - وزاد : أنه تركها ، لأنه كان لا ينتقم لنفسه ، ثم قتلها ببشر قصاصا .
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - : يحتمل أن يكون تركها أولا ، ثم لما مات بشر لكونها أسلمت ، وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لأن بموته يتحقق وجوب القصاص بشرطه .
وروى أبو سعد النيسابوري : أنه - صلى الله عليه وسلم - قتلها وصلبها ، فالله أعلم العاشر : وقع في سنن أنها أخت أبي داود مرحب ، وبه جزم السهيلي ، وعند في الدلائل : بنت أخي البيهقي مرحب ، وبه جزم كما في مغازي الزهري الحادي عشر : إن قيل ما الجمع بين قوله - تعالى : موسى بن عقبة والله يعصمك من الناس [المائدة 67] وبين حديث والجواب : الشاة المسمومة المصلية بالسم الصادر من اليهودية ؟
إن الآية نزلت عام تبوك ، والسم كان بخيبر ، قبل ذلك . [ ص: 156 ]
الثاني عشر : خيبر ، فروى اختلف في مدة إقامته - صلى الله عليه وسلم - بأرض في الأوسط الطبراني - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام ابن عباس بخيبر ستة أشهر ، يجمع بين الصلاتين . وروى عن عنه : أربعين يوما ، وسنده ضعيف . البيهقي
وقال . . . . . ابن إسحاق