قال ابن عقبة - رحمه الله تعالى - وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي ، لتصبح كل قبيلة قد أرحلت ، ووقفت مع صاحبها عند رايته ، وتظهر ما معها من الأداة والعدة . فأصبح الناس على ظهر ، وقدم بين يديه الكتائب . قالوا : ومرت القبائل على قادتها . والكتائب على راياتها .
قال محمد بن عمر : وكان أول من قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خالد بن الوليد بني سليم - بضم أوله ، وفتح ثانيه ، وسكون التحتية ، وهم ألف ، ويقال : تسعمائة ، ومعهم لواءان وراية ، يحمل أحد اللواءين العباس بن مرداس بكسر الميم ، والآخر يحمله خفاف - بخاء معجمة مضمومة - بن ندبة - بنون مضمومة ، فدال مهملة - ويحمل الراية الحجاج بن علاط - بعين مضمومة فطاء مهملتين ، فلما مروا بأبي سفيان ، كبروا ثلاث تكبيرات ، ثم مضوا ، فقال أبو سفيان : يا من هؤلاء ؟ فقال : هذا عباس!! قال : الغلام ؟ قال : نعم قال : ومن معه ؟ قال : خالد بن الوليد ، بنو سليم ، قال : ما لي وبني سليم! ثم مر على أثره في خمسمائة من المهاجرين وأفناء العرب ، ومعه راية سوداء . فلما مروا الزبير بن العوام بأبي سفيان كبروا ثلاثا ، فقال أبو سفيان : من هؤلاء ؟ قال : هذا قال : ابن أختك ؟ قال : نعم ، ثم مرت الزبير بن العوام ، بنو غفار - بكسر الغين المعجمة - في ثلاثمائة ، يحمل رايتهم أبو ذر ، ويقال : إيماء - بكسر الهمزة ، وفتحها ، وسكون التحتية ، ممدود مصروف ، وقد يقصر مع الفتح - بن رحضة - بحاء ، فضاد معجمة مفتوحات ، وأجاز سكون الحاء ، واقتصر ابن الأثير : النووي على الفتح ، وقال السهيلي : بضم الراء - فلما حاذوه ، كبروا ثلاثا ، فقال أبو سفيان من هؤلاء ؟ قال : بنو غفار ، قال : ما لي ولبني غفار ؟ ثم مرت أسلم في أربعمائة ، فيهما لواءان يحمل أحدهما بريدة - بلفظ تصغير البرد - بن الحصيب - بضم الحاء ، وفتح الصاد المهملتين ، فتحتية فموحدة - والآخر ناجية - بالنون ، والجيم - بن الأعجم ، فلما حاذوه كبروا [ ص: 220 ] ثلاثا ، فقال : من هؤلاء ؟ قال العباس : أسلم ، قال : ما لي ولأسلم ؟ ثم مرت بنو كعب بن عمرو في خمسمائة ، يحمل رايتهم بسر - بضم الموحدة ، وسكون السين المهملة - بن سفيان فلما حاذوه ، كبروا ثلاثا ، فقال : من هؤلاء ؟ قال العباس : بنو عمرو بن كعب بن عمرو ، إخوة أسلم ، قال : نعم ، هؤلاء حلفاء محمد ، ثم مرت مزينة - بضم الميم ، وفتح الزاء ، في ألف فيها ثلاثة ألوية ومائة فرس ، يحمل ألويتها النعمان بن مقرن - بضم الميم ، وسكون القاف ، [وبالراء] والنون ، وعبد الله بن عمرو بن عوف ، وبلال بن الحارث ، فلما حاذوه كبروا ثلاثا ، قال : من هؤلاء ؟ قال : العباس : مزينة ، قال : ما لي ولمزينة ؟ قد جاءتني تقعقع من شواهقها ، ثم مرت جهينة - بضم الجيم ، وفتح الهاء وسكون التحتية ، وبالنون - في ثمانمائة ، فيها أربعة ألوية ، يحملها أبو روعة - بفتح الراء ، وسكون الواو - معبد بن خالد ، وسويد بن صخر ، ورافع بن مكيث - بفتح الميم ، وكسر الكاف ، وبالمثلثة - وعبد الله بن بدر - بالموحدة - فلما حاذوه كبروا ثلاثا ، فقال من هؤلاء ؟ قال : جهينة ، قال : ما لي ولجهينة ؟ ثم مرت كنانة - بكسر الكاف - بنو ليث وضمرة ، وسعد بن بكر في مائتين ، يحمل لواءهم أبو واقد - بالقاف - الليثي ، فلما حاذوه كبروا ثلاثا ، فقال : من هؤلاء ؟ قال العباس : بنو بكر ، قال : نعم ، أهل شؤم والله! هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم ، قال قد خار الله - تعالى - لكم في غزو العباس : محمد - صلى الله عليه وسلم - أتاكم أمنكم ، ودخلتم في الإسلام كافة ، ثم مرت أشجع - بالشين المعجمة ، والجيم - وهم آخر من مر ، وهم ثلاثمائة معهم لواءان ، يحمل أحدهما معقل - بالعين المهملة ، والقاف - ابن سنان ، والآخر : نعيم بن مسعود . فلما حاذوه كبروا ثلاثا قال أبو سفيان : من هؤلاء ؟ قال العباس : هؤلاء أشجع ، قال أبو سفيان : هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد ، قال وأدخل الله - تعالى - الإسلام في قلوبهم ، فهذا فضل من الله ، ثم قال العباس أبو سفيان : أبعد ما مضى محمد ؟ فقال لا ، لم يمض بعد ، لو أتت الكتيبة التي فيها العباس : محمد رأيت فيها الحديد والخيل والرجال ، وما ليس لأحد به طاقة ، قال : ومن له بهؤلاء طاقة ؟ وجعل الناس يمرون ، كل ذلك يقول أبو سفيان ما مر محمد ؟ فيقول : لا ، حتى طلعت كتيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخضراء التي فيها المهاجرون والأنصار ، وفيها الرايات والألوية ، مع كل بطن من بطون الأنصار لواء وراية ، وهم في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق ، العباس ولعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فيها زجل بصوت عال وهو يزعها ويقول : رويدا حتى يلحق أولكم آخركم - يقال : كان في تلك الكتيبة ألفا دارع ، وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رايته فهو أمام الكتيبة ، فلما مر سعد بن عبادة ، سعد براية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى أبا سفيان فقال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا قال أبو سفيان : يا حبذا يوم الذمار . فمرت القبائل ، وطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على ناقته القصواء . قال عباس ، محمد بن عمر : بين أبي بكر [ ص: 221 ]
الصديق ، - وهو يحدثهما - فقال وأسيد بن الحضير هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم . العباس :
وفي الصحيح عن أن كتيبة الأنصار جاءت مع عروة ومعه الراية ، قال : سعد بن عبادة ،
ولم ير مثلها ، ثم جاءت كتيبة هي أقل الكتائب ، فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، وراية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قال في العيون : كذا وقع عند جميع الرواة . ورواه الزبير ، في كتابه : هي أجل الكتائب ، وهو الأظهر انتهى . الحميدي
فقال أبو سفيان : لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما قال قلت : يا العباس : أبا سفيان إنها النبوة ، قال : فنعم إذا .
وروى عن الطبراني - رضي الله عنه - قال : لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت العباس أسلم بنا ، قال : لا والله حتى أرى الخيل تطلع من كداء ، قال لأبي سفيان بن حرب : العباس :
قلت ما هذا ؟ قال شيء طلع بقلبي ، لأن الله لا يطلع خيلا هناك أبدا ، قال فلما طلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هناك ذكرت العباس : أبا سفيان به فذكره .
فلما بأبي سفيان ، قال : يا رسول الله أمرت بقتل قومك ؟ ! ألم تعلم ما قال قال : «ما قال” قال : كذا وكذا ، وإني أنشدك الله في قومك ، فأنت أبر الناس ، وأوصل الناس ، وأرحم الناس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كذب سعد بن عبادة سعد يا أبا سفيان ، اليوم يوم المرحمة ، اليوم يوم يعظم الله فيه الكعبة ، اليوم يوم تكسى فيه الكعبة ، اليوم يوم أعز الله فيه قريشا” . مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وعند أن ابن إسحاق : سعدا لما قال ما قال ، سمعه رجل من المهاجرين ، قال ابن هشام :
هو فقال : يا رسول الله ما نأمن أن يكون له في عمر بن الخطاب ، قريش صولة : واستبعد ذلك الحافظ من هنا لكونه كان معروفا بشدة البأس عليهم . عمر
وعند محمد بن عمر : إن عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان ، قالا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم .
وقال ضرار - بضاد معجمة - بن الخطاب الفهري - فيما ذكره محمد بن عمر ، وأبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي - شعرا يستعطف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل مكة حين سمع قول سعد ، قال أبو الربيع وهو من أجود شعر قاله . [ ص: 222 ]
وعند وعند ابن إسحاق من طريق ابن عساكر عن أبي الزبير - رضي الله عنه - جابر أن امرأة من قريش عارضت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الشعر ، فكأن ضرارا أرسل به المرأة ليكون أبلغ في انعطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قريش :
يا نبي الهدى إليك لجا حي قريش ولات حين لجاء حين ضاقت عليهم سعة الأر
ض وعاداهم إله السماء والتقت حلقتا البطان على القو
م ونودوا بالصيلم الصلعاء إن سعدا يريد قاصمة الظه
ر بأهل الحجون والبطحاء خزرجي لو يستطيع من الغي
رمانا بالنسر والعواء وغر الصدر لا يهم بشيء
غير سفك الدما وسبي النساء قد تلظى على البطاح وجاءت
عنه هند بالسوءة السواء إذ ينادي بذل حي قريش
وابن حرب بذا من الشهداء فلئن أقحم اللواء ونادى
يا حماة الأدبار أهل اللواء ثم ثابت إليه من بهم الخز
رج والأوس أنجم الهيجاء لتكونن بالبطاح قريش
فقعة القاع في أكف الإماء فأنهينه فإنه أسد الأس
د لدى الغاب والغ في الدماء إنه مطرق يريد لنا الأم
ر سكوتا كالحية الصماء
قال محمد بن عمر : فأبى سعد أن يسلم اللواء إلا بأمارة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعمامته ، فدفع اللواء إلى ابنه قيس ، ويقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر فأخذ الراية ، فذهب بها إلى عليا مكة حتى غرزها عند الركن .
قال - رحمه الله تعالى - : قد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى الراية أبو عمر إذ نزعها من للزبير سعد .
وروى عن أبو يعلى - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفعها إليه فدخل بلواءين ، وبه جزم الزبير . موسى بن عقبة
قال الحافظ : والذي يظهر في الجمع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل لينزعها ، وأن [ ص: 223 ] يدخل بها . ثم خشي تغير خاطر عليا سعد ، فأمر بدفعها لابنه قيس ، ثم إن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء يكرهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذها ، فحينئذ أخذها ويؤيد ذلك ما رواه الزبير ، بسند على شرط البزار عن البخاري - رضي الله عنه - قال : كان أنس قيس في مقدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة ، فكلم سعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصرفه عن الموضع الذي هو فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك . انتهى .
وروى عن ابن أبي شيبة أبي سلمة ، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن والطبراني عروة : قال : يا رسول الله!! لو أذنت لي فأتيتهم . أي أهل العباس مكة - فدعوتهم فأمنتهم ، فركب بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشهباء ، وانطلق ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «ردوا علي أبي ، ردوا علي أبي ، فإن عم الرجل صنو أبيه - «إني أخاف أن تفعل به العباس قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود ، دعاهم إلى الله - تعالى - فقتلوه ، أما والله لئن ركبوها منه لأضرمنها عليهم نارا” فكره الرجوع ، وقال : يا رسول الله ، إن ترجع العباس أبا سفيان راغبا في قلة الناس ، فيكفر بعد إسلامه فقال «احبسه” فحبسه ، فذكر عرض القبائل ومرورها بأبي سفيان ، وفيه فقال أبو سفيان : امض يا فانطلق عباس . حتى دخل العباس مكة فقال : يا أهل مكة!! أسلموا تسلموا قد استبطنتم بأشهب بازل أن
. انتهى .
وفي حديث عند عروة الطبراني : العباس - انتهى . وكفهم الله عز وجل - عن فقلت العباس ، انج ويحك - فأدرك قومك قبل أن يدخل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج لأبي سفيان بن حرب : أبو سفيان ، فتقدم الناس كلهم حتى دخل مكة من كداء فصرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به ، أسلموا تسلموا ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن . قالوا : قاتلك الله! وما تغني دارك ؟ ! قال : ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن . فقامت إليه هند بنت عتبة زوجته ، فأخذت بشاربه ، وقالت : اقتلوا الحميت الدسم الأحمس ، قبح من طليعة قوم . فقال أبو سفيان : ويلكم! لا تغرنكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به . قال