ذكر بعض ما دار بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض المنافقين وتثبيطهم الناس عن الخروج معه
روى ، ابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه في المعرفة عن وأبو نعيم ابن عباس ، وابن أبي حاتم عن وابن مردويه - رضي الله عنهم - جابر بن عبد الله وابن عقبة ، ومحمد بن إسحاق ، [ ص: 437 ] ومحمد بن عمر - رحمهم الله تعالى - عن شيوخهم زاد ابن عقبة : أن الجد بن قيس أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد معه نفر ، فقال : يا رسول الله ائذن لي في القعود ، فإني ذو ضبعة وعلة فيها عذر لي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "تجهز فإنك موسر" ، ثم اتفقوا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تجهز تجهز فإنك موسر ، لعلك تحقب من بنات بني الأصفر ؟ " قال الجد : أو تأذن لي ولا تفتني ، فو الله لقد عرف قومي ما أحد أشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر عنهن ، فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : "قد أذنا لك"
زاد محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - فجاءه ابنه عبد الله بن الجد - وكان بدريا - وهو أخو لأمه ، فقال لأبيه : لم ترد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته فو الله ما في معاذ بن جبل بني سلمة أحد أكثر مالا منك ، فلا تخرج ولا تحمل ؟ ! فقال : يا بني ما لي وللخروج في الريح والحر الشديد والعسرة إلى بني الأصفر ، فو الله ما آمن - خوفا - من بني الأصفر وأنا في منزلي ، أفأذهب إليهم أغزوهم ؟ ! إني والله يا بني عالم بالدوائر ، فأغلظ له ابنه وقال : لا والله ولكنه النفاق ، والله لينزلن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيك قرآن يقرأ به ، فرفع نعله فضرب به وجه ولده ، فانصرف ابنه ولم يكلمه ، وأنزل الله تعالى : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين [التوبة 49] أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر ، وليس ذلك به ، فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرغبة بنفسه عن نفسه ، يقول : وإن جهنم لمن ورائه .
وجعل الجد وغيره من ، قال المنافقين يثبطون المسلمين عن الخروج الجد لجبار بن صخر ومن معه من بني سلمة : لا تنفروا في الحر ، زهادة في الجهاد ، وشكا في الحق ، وإرجافا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون [التوبة 81 ، 82] .
وروى ابن هشام - رحمه الله تعالى - عن عبد الله بن حارثة - رضي الله تعالى عنه - قال : بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، فبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - في نفر من أصحابه ، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم اليهودي ففعل طلحة ، واقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا . [ ص: 438 ]
وجاء أهل مسجد الضرار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة ، ونحب أن تأتينا فتصلي فيه ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أنا في شغل السفر ، وإذا انصرفت سيكون" .