التاسعة والعشرون : وبأن له تعزير من شاء بغير سبب يقتضيه ، ويكون له رحمة ، ذكره ابن القاص ، وتبعه الإمام ولا يلتفت إلى قول من أنكره . والبيهقي ،
روى الشيخان عن رضي الله تعالى عنه- أبي هريرة- . أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : اللهم ، إني أتخذ عندك عهدا لا تخلفنيه فإنما أنا بشر ، فأي المؤمنين آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته ، فاجعلها له زكاة وصلاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة"
وروى عن مسلم رضي الله تعالى عنها- قالت : عائشة- . دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلان يكلمانه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما ، فلما خرجا قلت : يا رسول الله ، من أصاب من الخير شيئا مما أصابه هذان قال : "وما ذاك" ؟ قلت : لعنتهما وسببتهما قال : "أوما علمت ما شارطت عليه ربي ؟ قلت : اللهم ، إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر ، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها لها طهورا وزكاة ، وقربة تقربه بها يوم القيامة"
قال النووي-رحمه الله تعالى- : هذه الأحاديث منبهة على ما كان عليه- عليه الصلاة والسلام- من الشفقة على أمته ، ومن الاعتناء بمصالحهم ، والاحتياط لهم ، والرغبة في كل ما ينفعهم ، وهذه الرواية الأخيرة تبين المراد من الروايات المطلقة ، وأنه يكون دعاؤه عليهم وسبه ولعنه ونحو ذلك ، رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك ، إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلما وإلا فقد دعا -صلى الله عليه وسلم- على الكفار والمنافقين ، ولم يكن رحمة لهم .
فإن قيل : فكيف يدعو على من ليس بأهل للدعاء عليه ، أو يسبه أو يلعنه ونحو ذلك ؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : أن المراد ليس بأهل ، لذلك عند الله تعالى في باطن الأمر ، ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له -صلى الله عليه وسلم- استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ، ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك ، وهو -صلى الله عليه وسلم- مأمور بالحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر . انتهى .
وهذا الجواب ذكره وهو مبني على قول من قال : إنه كان يجتهد في الأحكام ، ويحكم بما أدى إليه اجتهاده ، وأما من قال : لا يحكم إلا بالوحي ، فلا يتأتى فيه هذا الجواب . [ ص: 435 ] المازري ،
الثاني : أن ما وقع من سبه ودعائه ونحو ذلك ليس بمقصود ، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية ، كقوله لغير واحد "تربت يمينك" "وعقرى حلقى" ومثل "لا كبرت سنك" وفي حديث "ولا أشبع الله بطنك" ونحو ذلك لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء ، فخاف -صلى الله عليه وسلم- أن يصادف شيء من ذلك إجابة ، فسأل الله- سبحانه وتعالى- ورغب إليه أن يجعل ذلك رحمة ، وكفارة ، وقربة ، وطهورا ، وأجرا ، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان ، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه ، وقد قيل : ادع على دوس فقال : معاوية ، وقال : "اللهم ، اهد دوسا" . "اللهم ، اغفر لقومي ، فإنهم لا يعلمون"
وهذا ذكره أيضا وأشار القاضي إلى ترجيحه ، وقال الحافظ : وهو حسن ، إلا أنه يرد عليه قوله في إحدى الروايات أو جلدته إذ يقع الجلد عن غير قصد ، وقد ساق الجميع مساقا واحدا ، إلا أن يحمل على الجلدة الواحدة فيتجه . المازري ،
الثلاثون : وبجواز الوصية لآله قطعا ، وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب في الأصح ، وفي غير آله خلاف والصحيح الصحة ، وفي وجه : لا يصح لإبهام اللفظ وتردده بين القرابة وأهل الدين وغيرهما في الشرع .
فالخصوصية على وجه .
الحادية والثلاثون : وبجواز من غير كراهة ، وفي حق غيره فيمن لم تتحرك شهوته ، وأما من حركت شهوته فحرام في حقه في الأصح . القبلة له وهو صائم
قالت رضي الله تعالى عنها- عائشة- وأيكم كان يملك إربه كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يملك إربه .
الثانية والثلاثون : وبأن له أن يستثني في يمينه ولو بعد حين إذا كان ناسيا بخلاف غيره ، فإنه لا يستثني إلا في صلب يمينه .
روى الطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- في قوله تبارك وتعالى : واذكر ربك إذا نسيت [الكهف - 24] الاستثناء ، فاستثن إذا نسيت ، وهي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاصة .
الثالثة والثلاثون : قيل وبأنه كان يفجأ في طعامه ، ويؤكل منه معه بخلاف غيره للنهي عنه . ذكره ابن القاص والقضاعي ، ولم يوافقا على ذلك .
روى عن البيهقي رضي الله تعالى عنه- أنه قال : جابر- . [ ص: 436 ] أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما من شعب الجبل ، وقد قضى حاجته ، وبين أيدينا تمر على ترس أو جفنة فدعوناه إليه فأكل معنا ، وما مس ماء"
وروى مسلم عن والبيهقي قيس بن السكن ، أن الأشعث بن قيس عبد الله يوم عاشوراء ، وهو يأكل فقال : يا أبا محمد ، أدنه تأكل ، فقال : إني صائم ، قال : إنا كنا نصومه ثم ترك . دخل على
قال وفي هذا أخبار كثيرة وكل ذلك ينفي التخصيص ، والنهي لم يثبت والله أعلم . البيهقي :
الرابعة والثلاثون : وبأنه كان لا يجتنب الطيب في الإحرام ، ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات ، إذ الطيب من أسباب الجماع ودواعيه ، ذكره المهلب بن أبي صفرة المالكي ، وأبو الحسن بن القصار وغيرهما ، ورجحه القاضي واستدلوا لذلك بقول أبو بكر بن العربي ، رضي الله تعالى عنهما- كما في الصحيح كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه حين يحرم ، ولحله حين يحل . وأجيب بأنه كان يفعل ذلك قبل الاغتسال للإحرام ، واستشكل بقول عائشة- رضي الله تعالى عنها- في الصحيح : عائشة- كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
قال الوبيص الطيب زيادة على البريق ، والمراد به التلألؤ ، فإنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط . الإسماعيلي :
الخامسة والثلاثون : قيل وبأن له أن لا يكفر عن يمينه . ذكره في كشافه ، في قوله تعالى : الزمخشري قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم [التحريم - 2] ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل كفر لذلك ؟ فنقل عن الحسن أنه لم يكفر ، لأنه كان مغفورا له ، وقيل : إنه كفر عن يمينه .
قال وهو الأصح ، وأن المراد بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم إن الأمة تقتدي به في ذلك . القرطبي :
السادسة والثلاثون : وبأنه كان يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة ، لأنه منصبه المخصوص به ، فله أن يضعه حيث شاء واستدل لذلك بما رواه الشيخان أنه -صلى الله عليه وسلم- قال : ، "اللهم ، صل على آل أبي أوفى"
ويكره لغيره ، ذلك كما رجحه في الروضة ، وصححه أكثر المتأخرين كابن النقيب في مختصر الكفاية والدميري . وقيل : يحرم .
السابعة والثلاثون : قيل وبصلاته على الغائب . قاله جماعة من الحنفية والمالكية ، واستدلوا بأشياء ردها عليهم غيرهم ، وقد بسط ذلك الحافظ في الفتح .
الثامنة والثلاثون : [ ص: 437 ] وبإدخال العمرة على الحج .
التاسعة والثلاثون : قيل وبإباحة حمل الصغير في الصلاة ، نقله في الفتح عن بعضهم .
الأربعون : وبإقطاع الأراضي قبل فتحها ، لأن الله تعالى ملكه الأرض كلها . وأفتى كما نقله عنه تلميذه الغزالي في القانون بكفر من عارض أولاد تميم الداري فيما أقطعهم ، وقال : إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقطع أرض الجنة ، فأرض الدنيا أولى . القاضي أبو بكر بن العربي
الحادية والأربعون : وبأنه لو قال : لفلان على فلان كذا جاز لسامعه أن يشهد بذلك ، ذكره شريح الروياني في روضة الأحكام .
الثانية والأربعون : قيل وبأنه والأنبياء لا تجب عليهم الزكاة ، لأنه لا ملك لهم مع الله تعالى ، إنما كانوا يشهدون ما في أيديهم من ودائع الله تعالى يبذلونه في أوان بذله ، ويمنعونه في غير محله ، ولأن الزكاة إنما هي طهرة لما عساه أن يكون ممن أوجبت عليه ، والأنبياء مبرءون من الدنس لعصمتهم . قاله ابن عطاء الله في "التنوير في إسقاط التدبير" قلت : وبنى ذلك على مذهب إمامه مالك ، أن الأنبياء لا يملكون .
الثالثة والأربعون : وبأنه عقد المساقاة مع أهل خيبر إلى مدة مبهمة ، بقوله : "أقركم ما أقركم الله تعالى" لأنه كان يجوز مجيء الوحي بالنسخ ، ولا يكون ذلك لغيره . انتهى .
الرابعة والأربعون : وبالمن على الأسرى كما زعمه بعضهم .