الباب الحادي عشر في رضي الله تعالى عنه عبد الله بن عباس بعض مناقب ترجمان القرآن
وفيه أنواع :
الأول : في مولده واسمه وكنيته وصفته رضي الله تعالى عنه
ولد قبل الهجرة بثلاث سنين بالشعب قبل خروج بني هاشم منه ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وكنيته أبو العباس ، وكان طوالا إذا طاف بالبيت كأنما الناس حوله مشاة من طوله ، وهو راكب من طوله ، مفرطا في الطول ، وكان مع ذلك يكون إلى منكب أبيه وكان العباس ، إلى منكب أبيه العباس عبد المطلب .
وذكر [ . . . . . . ] الطائي أن النبي صلى الله عليه وسلم حنكه بريقه ودعا له ، وقال : "اللهم بارك فيه ، وانشر منه ، وعلمه الحكمة" .
وسماه ترجمان القرآن ، وكان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة ، روي ذلك عنه .
وروي أيضا عنه أنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين ، وقد قرأت المحكم -يعني المفصل- وفي رواية : وأنا ابن خمس عشرة سنة وأنا ختن .
قال المحب الطبري : ولعله الأشبه إذ روي عنه أنه قال في حجة الوداع : وأنا قد ناهزت الاحتلام ، وصحح الأول . أبو عمر
وروى عن الطبراني -رضي الله تعالى عنه- قال : ولدت قبل الهجرة بثلاث سنين ونحن في الشعب ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة سنة . ابن عباس
وروي أيضا برجال الصحيح عنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة ، وكان يكنى بأبي العباس ، وكان له وفرة ، كان طويلا أبيض ، مشربا بشقرة ، جسيما وسيما صبيح الوجه ، وكان يصفر لحيته ، قيل : يخضب بالحناء .
وروى حبيب بن أبي ثابت قال : إن رجلا نظر إلى -رضي الله تعالى عنه- وقد دخل المسجد فنظر هيبته وطوله فقال : من هذا ؟ قال ابن عباس هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته . ابن عباس :
قال -رحمه الله تعالى- : كان ابن إسحاق طويلا ، مشربا بحمرة ، جسيما ، وسيما ، صبيح الوجه ، له ضفيرتان . رواه عبد الله بن عباس الطبراني .
وروى أيضا بإسناد حسن عن حسين -رحمه الله تعالى- قال : رأيت -رضي الله تعالى عنه- أيام ابن عباس منى طويل الشعر ، عليه إزار فيه بعض الإسبال ، وعليه رداء أصفر .
[ ص: 122 ] وروى أيضا برجال الصحيح عن حبيب بن أبي ثابت -رحمه الله تعالى- قال : رأيت -رضي الله تعالى عنه- وله جمة . ابن عباس
الثاني : في تبشير النبي صلى الله عليه وسلم به أمه وهي حامل
روى بإسناد عن الطبراني -رضي الله تعالى عنه- قال : حدثتني ابن عباس أم الفضل ابنة الحارث قالت : أم الفضل" ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : "إنك حامل بغلام" ، قلت : كيف وقد تخالفت قريش لا يولدون النساء ؟ قال : "هو ما أقول ، فإذا وضعتيه فأتني به" ، فلما وضعته أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسماه عبد الله ، وألبأه بريقه ، أو قال : "اذهبي به فلتجدنه كيسا" ، قالت : فأتيت فأخبرته ، فتبسم . العباس الحديث . بينا أنا مارة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر فقال : "يا
ورواه بلفظ : "اذهبي بأبي الخلفاء" فأخبرت أبو نعيم فأتاه ، فذكر له ، فقال : "هو ما أخبرتك ، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم العباس ، السفاح ، حتى يكون منهم المهدي ، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم" .
الثالث : في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له
روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن والطبراني -رضي الله تعالى عنه- ابن عباس سعيد- ثم قال : "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي أو منكبي -شك
وروى أيضا في الكبير ، في "الحلية" عنه قال : وأبو نعيم جبريل مرتين" . دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "نعم ترجمان القرآن أنت ، دعاك
وروى عنه أيضا عبد الله بردها في صدره ، ثم قال : "اللهم احش جوفه حكما وعلما" فلم يستوحش في نفسه إلى مسألة أحد من الناس ، ولم يزل حبر هذه الأمة إلى أن قبضه الله . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ، فوجد
وروى ابن ماجه وابن سعد في "الكبير" عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والطبراني "اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" .
الرابع : في سعة علمه -رضي الله تعالى عنه- ولذا سمي الحبر
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث وستمائة حديث وستون حديثا ، اتفق البخاري منها على خمسة وتسعين حديثا ، وانفرد ومسلم بمائة وعشرين ، البخاري بتسعة وأربعين . ومسلم
وروى في مناقب البيهقي أنه لم يثبت عن الشافعي في التفسير إلا نحو مائة حديث . ابن عباس
[ ص: 123 ] وروى عنه ابن عمر وأنس وأبو الشعثاء وأبو أمامة بن سهل ، ومن التابعين خلائق لا يحصون .
قال الإمام وغيره : وهو أكثر الصحابة فتوى ، وقال أحمد لكن يسمى الحبر من كثرة علمه ، ومن كلامه : لو أن جبلا بغى على جبل لجعل الله الباغي دكا . مجاهد :
وكان يأخذ بطرف لسانه فيقول : ويحك ، قل خيرا تغنم ، واسكت عن الشر تسلم ، فقيل له في ذلك فقال : بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحق منه على لسانه .
وقال : لما ضرب الدينار والدرهم ، أخذه إبليس فوضعه على عينيه ، وقال : أنت ثمرة قلبي وقرة عيني ، بك أطغي ، وبك أدخل النار ، وبك أكفر ، رضيت من بني آدم أن يحب الدنيا ، فإنه من أحبها عبدني ، أو قال : تعبد لي . وهذا صحيح؛ فإن حب الدنيا والدرهم رأس كل خطيئة .
وقال : ما ظهر البغي في قوم إلا وظهر فيهم الموتان ، وقال في قوله تعالى : إلا من أتى الله بقلب سليم [الشعراء : 89] شهادة أن لا إله إلا الله ، وقال : ما من مؤمن ولا فاجر إلا وقد كتب الله رزقه من الحلال ، فإن صبر حتى يأتيه الله -عز وجل- وإن جزع فتناول شيئا من الحرام نقصه الله من رزقه من الحلال .
وقال : يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ، ما شاء الله ، لا يسوق الخير إلا الله ، بسم الله ، ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلا الله ، بسم الله ، ما شاء الله ، ما كان من نعمة فمن الله ، بسم الله ، ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . من تلاها حفظ من كل آفة وعاهة وعدو وظالم وشيطان وسلطان وحية وعقرب ، وما يقولها أحد في يوم عرفة عند غروب الشمس إلا ناداه الله : أي عبدي قد أرضيتني ورضيت عنك ، فسلني ما شئت ، فوعزتي وجلالي لأعطينك .
وقال : حياة المريض أول مرة سنة ، وما ازدادت فنافلة .
وروى سعيد بن منصور وابن سعد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن والطبراني -رضي الله تعالى عنهما- قال : كان ابن عباس يدخلني في أشياخ عمر بدر ، وفي لفظ : يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم ، فقال بعضهم : لم تدخل هذا الفتى معنا ، ولنا أبناء مثله ، فقال : أنتم ممن قد علمتم ، فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم ، وما أراه دعاهم يومئذ إلا ليريهم مني ، فقال : ما تقولون في قوله تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح [النصر : 1] حتى ختم السورة ، فقال بعضهم : أمرنا الله -عز وجل- أن نحمده ، ونستغفره إذ جاء نصر الله وفتح علينا .
وقال بعضهم : لا ندري ، وقال بعضهم : لم يقل شيئا ، فقال لي : يا كذاك تقول ؟ قلت : لا ، قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعلمه الله -عز وجل- [ ص: 124 ] ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا [النصر : 1 - 2] والفتح : فتح مكة ، فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا [النصر : 3] فقال ما أعلم منها إلا ما يعلم هذا ، كيف تلومونني عليه بعدما ترونه ؟ ! عمر :
وروى أن ابن الجوزي قال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- : إنك والله لأصبح فتياننا وجها ، وأحسنهم عقلا ، وأفقههم في كتاب الله عز وجل . لابن عباس
وروى عن -رضي الله تعالى عنه- قال : نعم ترجمان القرآن ابن مسعود ابن عباس .
وعاش بعد -رضي الله تعالى عنه- نحو خمس وثلاثين سنة ، فشدت إليه الرحال ، وقصد من جميع الأقطار . ابن مسعود
وروى عن طاوس قال : أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله . ابن عباس
وروي عن قال : ما سمعت فتيا أحسن من فتيا مجاهد إلا أن يقول : قال رسول الله . ابن عباس ،
وروى عن ابن عمر قال : خرج يزيد بن الأصم حاجا ومعه معاوية وكان ابن عباس ، موكب ممن يطلب العلم . لابن عباس
وروى برجال الصحيح عن الطبراني عبد الملك بن ميسرة قال : جالست سبعين أو ثمانين شيخا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحد منهم خالف فيلتقيان إلا قال : القول كما قلت ، أو قال : صدقت . ابن عباس
وروى أيضا عن مسروق والأعمش قالا : كنت إذا رأيت قلت : أجمل الناس ، وإذا تكلم قلت : أفصح الناس ، وإذا تحدث قلت : أعلم الناس . زاد ابن عباس وإذا سكت قلت : أعلم الناس . الأعمش :
وروى أيضا عن سفيان عن أبي وائل قال : خطبنا وهو على الموسم فافتتح سورة النور ، وفي لفظ : البقرة ، فجعل يقرأ ويتغير ، فجعلت أقول : ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله ، ولو سمعته فارس ابن عباس والروم والقرى لأسلمت .
وروى عن الطبراني الحسن قال : كان يقوم على منبرنا هذا ، أحسبه قال : عشية ابن عباس عرفة فيقرأ بالبقرة وآل عمران فيفسرها ، وفي رواية : ثم يفسرها آية آية ، وكان يتجه نجدا غربا .
[ ص: 125 ] وروى عنه أن الطبراني -رضي الله تعالى عنه- قال : كان إذا ذكر عمر يقول : ذاكم فتى الكهول ، له لسان سؤول ، وقلب عقول ، وفي رواية : إن له لسانا سؤولا وقلبا عقولا . ابن عباس
وروى عن ابن الجوزي عمرو بن دينار أن رجلا سأل عن السماوات ابن عمر كانتا رتقا ففتقناهما [الأنبياء : 30] قال : فاذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله ، فقال : كانت السماوات رتقا لا تمطر والأرض رتقا لا تنبت ، ففتق هذه بالمطر وفتق هذه بالإنبات ، فرجع الرجل إلى -رضي الله تعالى عنه- فأخبره فقال : إن ابن عمر قد أوتي علما ، حدث ، هكذا كانت ، ثم قال ابن عباس كنت أقول : ما يعجبني جراءة ابن عمر : على تفسير القرآن ، فالآن قد علمت أنه أوتي علما وحكمة . أو كما قال . ابن عباس
وروى أيضا برجال الصحيح عن الطبراني -رضي الله تعالى عنه- قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من ابن عباس الأنصار : هلم فلنتعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير ، فقال : العجب والله يا أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! فتركت ذلك وأقبلت على المسألة ، وتتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده راقدا ، فأتوسد ردائي على باب داره ، تسفي الرياح على وجهي حتى يخرج إلي ، فإذا رآني قال : يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك ؟ قلت : حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أسمعه منك ، فيقول : هلا أرسلت إلي فآتيك ، فأقول : أنا كنت أحق أن آتيك ، وكان ذلك الرجل يراني ، وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد احتاج الناس إلي ، فيقول : أنت أعلم مني . ابن عباس!
وروي عن عمرو بن دينار قال : ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلس الحلال والحرام ، والعربية ، والأنساب ، والشعر . ابن عباس ،
وروى الحربي عن قال : كان ناس يأتون عطاء في الشعر والأنساب ، وأناس لأيام العرب في وقائعها ، وأناس للعلم ، فما منهم صنف إلا يقبل عليهم بما شاءوا . ابن عباس
وروى عن ابن عمر طاوس -رحمه الله تعالى- قال : كان قد سبق الناس في العلم كما تسبق النخلة السحوق على الودي الصغار . ابن عباس
وروى أيضا عن عبد الله بن عبد الله قال : "ما رأيت أحدا كان أعلم بالنسبة ، ولا أجله رأيا ، ولا أثقب نظرا من ولقد كان ابن عباس ، -رضي الله تعالى عنه- يعده للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين . عمر
وروى أيضا عن قال : ما رأيت في مجلس القاسم بن محمد باطلا قط ، وما [ ص: 126 ] سمعت فتوى أشبه بالسنة من فتواه ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمونه البحر ويسمونه الحبر . ابن عباس
وروى برجال الصحيح عن الطبراني -رضي الله تعالى عنهما- أن ابن عباس هرقل كتب إلى وقال : إن كان بقي فيه من النبوة ، فسيجيبونني عن ما سألتهم عنه ، وكتب إليه سأله عن المجرة وعن القوس وعن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة ، فلما أتاه الكتاب والرسول فقال : هذا شيء ما كنت أراه أسأل عنه إلا يومي هذا ، فطوى معاوية الكتاب -كتاب معاوية هرقل- فبعث به إلى -رضي الله تعالى عنهما- فكتب إليه أن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق ، والمجرة باب السماء التي تنشق منه ، وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من النهار ، فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل . ابن عباس