الباب الحادي عشر في - رضي الله تعالى عنه- إلى دحية بن خليفة الكلبي قيصر إرساله- صلى الله عليه وسلم-
هو دحية بن خليفة بن فروة الكلبي أسلم قديما ، ولم يشهد بدرا شهد المشاهد كلها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد بدر ، وكان يتشبه بجبريل - صلى الله عليه وسلم- ، جبريل ينزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بصورته ، وكان من أجمل الناس ، يروى أنه كان إذا قدم من كان الشام لم يبق امرأة إلا خرجت تنظر إليه ، قيصر في الهدنة سنة خمس قاله خليفة : وقال محمد بن عمر : لقيه بحمص سنة سبع ، وقال في المنهل : وظاهر الخبر يدل على أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسله إليه مرتين : الأولى في الهدنة ، والثانية في بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك ، قلت : أرسله من تبوك . رواه أبو يعلى في زوائد المسند ، وعبد الله بن الإمام أحمد ، وأبو نعيم عن وابن عساكر سعيد مولى راشد التنوخي رسول هرقل فأرسله في الهدنة - رواه عن عن البخاري عن ابن عباس أبي سفيان كما سيأتي .
روى الشيخان عن أبي سفيان عن والبيهقي موسى بن عقبة عن وأبو نعيم عبد الله بن شداد عن أبي سفيان عن والبيهقي الزهري والبزار وأبو نعيم عن وابن عساكر ، دحية وأبو نعيم عن وابن إسحاق عن ابن عباس أبي سفيان قال : الحديبية بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، وكفار قريش ورد أبو سفيان تاجرا إلى الشام ، مع رهط من قريش ، وكان متجرهم من الشام عدة من أرض فلسطين فخرجوا حتى قدموها ، وذلك حين ظهر قيصر صاحب الروم على من كان في بلاده من الفرس ، فأخرجهم منها ورد عليه صليبه الأعظم ، وقد كان استلبه إياه فلما بلغه ذلك وقد كان منزله بحمص من أرض الشام فخرج منها يمشي شاكرا إلى بيت المقدس ليصلي به فبسط له البسط ، وطرح له عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيليا فصلى فيها ، فأصبح ذات غداة وهو مهموم يقلب طرفه إلى السماء ، فقالت له بطارقته : أيها الملك ، لقد أصبحت مهموما ، وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم- فقال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان ، وقد ظهر فيمن يختن من هذه الأمة ، فقالوا : والله ، ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا اليهود ، فلا يهمنك شأنهم ، واكتب إلى مدائن ملكك ، فيقتلوا من فيهم من اليهود وتستريح من هذا الغم ، فبينما هم على أمرهم إذ أتاهم صاحب ملك غسان صاحب بصرى برجل من العرب وقد وقع إليهم قال : أيها الملك ، هذا رجل من العرب من أهل الشام ، لا بد أن يحدثك عن حديث كان ببلاده ، فلما أن انتهى إليه قال لترجمانه : اسأله ما كان الخبر الذي ببلاده ، فسأله ، [ ص: 353 ]
فقال : هو رجل من قريش يخرج ، يزعم أنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، وقد اتبعه أقوام وخالفه آخرون ، وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن فخرجت من بلادي وهم على ذلك فلما أخبره الخبر ، قال : جردوه هو مختون ، فقال : هذا والله الذي رأيت أعطوه ثوبه ، انطلق لشأنك ، حدثني أسقف من النصارى ، وقد أدرك ذلك الزمان أنه لما كانت الهدنة ، هدنة
وفي رواية : إلى دحية قيصر صاحب الروم بكتاب ، فاستأذن ، فقال : استأذنوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأتى قيصر فقيل : إن على الباب رجلا يزعم أنه رسول رسول الله ففزعوا لذلك ، وقال : أدخلوه ، فأدخل عليه وعنده بطارقته ، فأعطاه الكتاب وقرأ عليه ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل عظيم الروم ، وفي رواية «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث الروم وعنده ابن أخ له أحمر أزرق سبط الشعر فقال : لا تقرإ الكتاب ، لأنه بدأ بنفسه ، وكتب (صاحب الروم » ولم يكتب «ملك الروم » .
فقال : إن يكن بدأ بنفسه فهو الذي كتب إلي .
وإن كان سماني صاحب الروم ، فأنا صاحب الروم ليس لهم صاحب غيري ، فجعل يقرأ الكتاب وهو يعرق جبينه من كرب الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم » سلام على من اتبع الهدى : أما بعد فإن أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين وفي رواية «الأكارين» قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا : اشهدوا بأنا مسلمون
» فلما قرئ الكتاب قال قيصر : هذا كتاب لم أسمع بمثله بعد سليمان بن داود ، ثم أمرهم فخرجوا من عنده فبعث إلى الأسقف ، فدخلت عليه فسألني فأخبرته وكان صاحب أمرهم ، يصدرون عن قوله ورأيه ، فلما قرأ الكتاب قال الأسقف : هو والله الذي لا إله إلا هو الذي بشرنا به عيسى ابن مريم ، وموسى ، والذي ننتظره ، فقال قيصر : فما تأمرني ؟ قال الأسقف : أما أنا فمصدقه ومتبعه ، فقال قيصر لصاحب شرطته : قلت لي الشام ظهر البطن حتى يؤتى برجل من قدم هذا فأسأله عن شأنه ، قال أبو سفيان : فو الله ، إني وأصحابي كبعرة إذ هجم علينا ، فسأل ممن أنتم ؟
فأخبرناه ، فساقنا إليه جميعا ، وكان أبو سفيان وكفار قريش فأتوهم وهم بإيليا فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ، ودعا بترجمانه ، فقال : أيكم أقرب نسبا لهذا الرجل ؟
الذي يزعم- أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : أنا أقربهم نسبا ، فقال : أدنوه مني ، وقربوا أصحابه ، فاجعلوهم خلف ظهره ثم قال لترجمانه : قل لهم : إني سائل هذا الرجل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه ، قال أبو سفيان : فو الله ، لولا أن يؤثر عني الكذب لكذبت عليه ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول منكم [ ص: 354 ]
أحد قبله ؟ قلت : لا ، قال : فهل كان من آبائه ملك قلت : لا ، قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقلت : بل ضعفاؤهم ، قال : أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون ، قال : فهل يرتد أحد منكم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا ، قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا ، قال : فهل يغدر قلت : لا ، ونحن الآن معه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها قال : فما كلمني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة ، قال : فهل قاتلتموه قلت : نعم ، قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت : الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه ، قال : ماذا يأمركم ؟ قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما كان يعبد آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف ، والصلة ، فقال لترجمانه : قل له : سألتك عن نسبه ، فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها ، وسألتك : هل قال أحد منكم هذا القول قبله ؟ فذكرت أن لا ، فقلت : لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت : رجل تأسى بقول قيل قبله ، وسألتك : هل من آبائه من ملك ؟ فذكرت أن لا ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك ، قلت : رجل يطلب ملك آبائه ، وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فذكرت أن لا ، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ، ويكذب على الله ، وسألتك : أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك : أيزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم ، وسألتك :
أيرتد أحد منكم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب ، وسألتك : هل يغدر ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا يغدرون وسألتك : بم يأمركم ؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والزكاة والصدق والعفاف والصلة ، فإن كان ما تقول حقا ، فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظنه منكم ، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه ، ثم قال : الحق بشأنك ، قال : فقمت أضرب بإحدى يدي على الأخرى وأقول : يا عباد الله ، لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أصبح ملوك بني الأصفر يخافونه في سلطانهم ، فما زلت موقنا أنه سيظهر ثم أخذ كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوضعه فوق رأسه ثم قبله وطواه في الديباج ، والحرير ، وجعله في سقط صاحب له برومية ، وكان نظيره في العلم ، وسار هرقل إلى حمص ولم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل بخروج النبي- صلى الله عليه وسلم- وأنه النبي الذي ينتظر لا شك فيه فاتبعه ، فأمر بعظماء الروم ، فجمعوا له في دسكرة ملكه ، ثم أمر بها فأغلقت عليهم ، ثم اطلع عليهم من علية له ، وهو منهم خائف فقال : يا معشر الروم ، إنه جاءني كتاب أحمد وإنه والله النبي الذي ينتظر لا شك فيه الذي بشر به عيسى ، وإنه والله النبي الذي ننتظره ونجد ذكره في كتابنا نعرفه بعلاماته [ ص: 355 ]
وزمانه ، فأسلموا واتبعوه ، تسلم لكم آخرتكم ودنياكم فنخروا نخرة رجل واحد ، وحاصوا حيصة حمير الوحش ، وابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فلما رأى هرقل نفرتهم يئس من الإيمان وخافهم ، قال : ردوهم علي فردوهم عليه ، فقال : يا معشر الروم ، إنما قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم ، وقد رأيت ما يسرني ، فوقعوا له سجدا ورضوا عنه ، فقال الأسقف قاضيه : أشهد أنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذوه فما زالوا يضربونه ويعضونه حتى قتلوه ،
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك : إنه يبعث أمة وحده ،
ثم فتحت لهم أبواب الدسكرة فخرجوا ، فقال : ثم بعث إلي من الغد سرا فأدخلني بيتا عظيما فيه ثلاثمائة وثلاثة وعشرون صورة ، فإذا هي صور الأنبياء والمرسلين قال : انظر أين صاحبك من هؤلاء ، فرأيت صورة النبي- صلى الله عليه وسلم- كأنه ينطق ، قلت : هذا ، قال : صدقت ، فقال : صورة من هذا عن يمينه ؟ ، قلت : دحية
رجل من قومه ، يقال له ، قال : فمن ذا الذي عن يساره ؟ قلت : رجل من قومه ، يقال له أبو بكر ، قال : إنا نجد في الكتاب أن بصاحبيه هذين ، يتم الله هذا الدين ، عمر
فلما قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخبرته ، فقال : صدق بأبي بكر ، يتم الله هذا الدين بعدي وعمر . «صاحب
الثانية-
روى أبو يعلى في زوائد المسند وعبد الله ابن الإمام أحمد عن وابن عساكر سعيد ابن أبي راشد قال : التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت : ألا تخبرني عن رسالة هرقل ؟ قال : بلى ، قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تبوك ، فبعث إلى دحية هرقل ، فلما جاء كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعا قسيس الروم وبطارقتهم ، ثم أغلق عليه وعليهم الدار ، فقال : إن هذا الرجل أرسل يدعوني ، وو الله لقد قرأتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي ، فهلم إلي أن نتبعه فنخروا نخرة رجل واحد ، فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا الروم ، قال :
إنما قلت لأعلم صلابتكم على أمركم بينكم ، ثم إنه دعاني فقال : اذهب بكتابي إلى هذا الرجل ، فما ضيعت من حديثه فاحفظ لي ثلاث خصال انظر هل تذكر الصحيفة التي كتبت إلي بشيء انظر إذا قرأ كتابي هل يذكر الليل وانظر في ظهره ؟ هل به شيء يريبك ، فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك ، فناولت كتابي فقال : يا أخا تنوخ ، إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه ، والله ممزقه وملكه وكتبت إلى بصحيفة فحرقها ، والله محرقه ، ومحرق ملكه ، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها ولن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش ، قلت : هذه إحدى الثلاث الذي أوصاني ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره فقرأها فإذا فيها يدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض ، فأين النار ؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : أين الليل إذا جاء النهار ؟ ثم قال : فقال : يا أخا النجاشي تنوخ ، فهل حبوته عن ظهره ثم قال : ها هنا امض لما أمرت فجلت في ظهره ، فإذا النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة ، وفي رواية فكتبه في جفن (سيفي ) فلما أن فرغ من قراءة كتابي قال : إن لك حقا ، وإنك رسول الله فلو [ ص: 356 ]
وجدت عندنا جائزة جوزناك بها ، إنا سفراء مرسلون قال : فناداه رجل من طائفة الناس ، أنا أجوزه ففتح رحله فإذا هو يجمله بجائزة صفورية فوضعها في حجري ، فقلت : من صاحب الجائزة ؟
قيل لي : ، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : أيكم ينزل هذا الرجل ؟ : فقال فتى من الأنصار : عثمان
أنا ، فقام الأنصاري ، وقمت معه ، حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فقال : يا أخا تنوخ ، تعال تعال ، يا أخا تنوخ ، فأقبلت أهوي حتى كنت قائما في المجلس الذي كنت بين يديه ، فحل حبوته عن ظهره ، وقال : ههنا امض لما أمرت له فجلت في ظهره فإذا خاتم النبوة في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة . قال محمد بن عمر : فانصرف الرجل إلى هرقل ، فذكر ذلك له فدعا قومه إلى التصديق بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فأبوا حتى خالفهم عن ملكه ، وهو في موضعه بحمص ثم لم يتحرك ، ولم يزحف وكان الذي خبر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه ودنوه إلى أرض الشام بالجلاء ، ولم يرد ذلك ولا هم به . وذكر لقيت السهيلي - رحمه الله تعالى- هرقل أهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- هدية وفرقها على المسلمين ، وأن هرقل أمر مناديا : ألا إن هرقل قد آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم- واتبعه فدخلت الأجناد في سلاحها ، وطافت بقصره تريد قتله ، فأرسل إليهم : إني أردت أن أختبر صلابتكم في دينكم ، فقد رضيت عنكم فرضوا عنه ، ثم كتب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابا مع يقول فيه- : إني دحية ولكني مغلوب على أمري ، فلما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابه ، قال : كذب عدو الله ، ليس بمسلم بل هو على النصرانية مسلم . [ ص: 357 ] أن