تنبيهات 
الأول : اختلف في معنى كون منبره على حوضه على ثلاثة أوجه . 
الأول : قال  الخطابي   : معنى قوله : «ومنبري على حوضي»  
أي إن قصد منبره وحضوره عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد [لصاحبه إلى] الحوض ويوجب الشرب منه . 
الثاني : قال  ابن النجار   : المراد أن منبره الذي كان يقوم عليه- صلى الله عليه وسلم- يعيده الله كما يعيد سائر الخلائق ويكون على حوضه في ذلك اليوم . 
قال أبو اليمن بن عساكر   : وهو الأظهر ، وعليه أكثر الناس . 
الثالث : قيل : إن المراد منبر يخلقه الله تعالى في ذلك اليوم ويجعله على حوضه . 
قال السيد : ويظهر لي معنى رابع ، وهو أن البقعة التي عليها المنبر تعاد بعينها في الجنة ، ويعاد منبره ذلك على هيئته ، ليناسب ما في الجنة ، فيجعل المنبر عليها عند عقر الحوض وهو مؤخره ، وعن ذلك غير ب «ترعة من ترع الجنة» وذكر ذلك- صلى الله عليه وسلم- لأمته للترغيب للعمل بهذا المحل الشريف ليقضي بصاحبه إلى ذلك ، وهذا في الحقيقة جمع بين القولين الأولين . 
الثاني : اختلفوا أيضا في معنى ما جاء في الروضة الشريفة . 
قال الحافظ : ومحصل ما أول العلماء به ذلك أن تلك البقعة كروضة من رياض الجنة  [ ص: 349 ] في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل فيها من ملازمة حلق الذكر ، لا سيما في عهده- صلى الله عليه وسلم- فيكون مجازا [بغير أداة] ، أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازا أو هو على ظاهره ، وأن المراد أنها روضة حقيقية بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة . انتهى . 
قال : وهذه الأقاويل على ترتيبها هذا في القوة ، وهو محتمل لتقوية الأول والأخير ، والأخير أقواها عندي ، وهذا الذي ذهب إليه  ابن النجار  ، ونقله البرهان بن فرحون  في «مناسكه» عن  ابن الجوزي  وغيره عن  مالك ،  فقال : وقوله : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة  » . 
حمله  مالك  رحمه الله تعالى على ظاهره ، فنقل عنه  ابن الجوزي  وغيره أنها روضة من رياض الجنة تنقل إلى الجنة ، وأنها ليست كسائر الأرض تذهب وتفنى ، ووافقه على ذلك جماعة من العلماء . انتهى . 
ونقله الخطيب بن جملة  عن  الداودي  وصححه ابن الحاج في «مدخله» لأن العلماء فهموا من ذلك مزية عظيمة لهذا المحل . 
وقال الحافظ في موضع آخر بعد أن صدر بالثالث أو أنه على المجاز تكون العبادة فيه نزول إلى دخول العائد روضة الجنة ، وهذا فيه نظر؛ إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة ، والخير مسبوق لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها ، وجمع الشيخ  ابن أبي جمرة  بين الثاني والثالث ، ولم يعول على ذكر الأول فقال : الأظهر ، والله أعلم ، الجمع بين الوجهين لكل منهما دليل يعضده ، أما الدليل على أن العمل فيها يوجب الجنة فلما جاء في فضل مسجدها في المضاعفة ، ولهذه البقعة زيادة على باقي بقعه . 
وأما الدليل على كونها بعينها في الجنة فلإخباره- صلى الله عليه وسلم- بأن المنبر على الحوض لم يختلف أحد من العلماء أنه على ظاهره ، وأنه حق محسوس موجود على حوضه ، وقد نقل الخلاف قبل ، ثم قال : تقرر من قواعد الشرع أن البقع المباركة ما فائدة بركتها لنا ، والأخبار بذلك إلا تعميرها بالطاعات . 
قال : ويحتمل وجها ثالثا؛ وهو أن تلك البقعة نفسها روضة من رياض الجنة الآن ، وتعود روضة في الجنة كما كان ، ويكون للعامل ، فالعمل فيه درجة في الجنة ، قال : وهو الأظهر لوجهين : أحدهما : علو منزلته- صلى الله عليه وسلم- وليكون بينه وبين الأبوة الإبراهيمية في هذا أشبه ، وهو أنه لما خص الله الخليل بحوض من الجنة خص الحبيب بالروضة منها . انتهى . 
وهو من النفاسة بمكان ، وفيه حمل اللفظ على ظاهره؛ إذ لا يقتضي بصرفه عنه ، ولا  [ ص: 350 ] 
يقدح في ذلك كوننا نشاهده على أراضي الدنيا؛ فإنه ما دام الإنسان في هذا العالم لا تنكشف له حقائق ذلك العالم لوجود الحجب الكثيفة . 
الثالث : تخصيص ما أحاطت به البينة المذكورة لذلك إما تعبدا ، وإما لكثرة تردده- صلى الله عليه وسلم- بين بيته ومنبره ، وقرب ذلك من قبره الشريف الذي هو الروضة العظمى كما أشار إليه ابن أبي جمرة أيضا . 
الرابع : اختلفوا في مكان الروضة . 
				
						
						
