الباب العشرون في إرادة رضي الله عنه الهجرة إلى الحبشة وإلى أبي بكر المدينة
قالت رضي الله عنها : عائشة مهاجرا نحو أرض أبو بكر الحبشة حتى إذا بلغ فلما ابتلي المسلمون خرج برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا ؟ فقال أبا بكر : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي عز وجل- فقال أبو بكر ابن الدغنة : فإن مثلك يا لا يخرج [ولا يخرج] أبا بكر ، فأنا لك جار فارجع واعبد ربك ببلدك . إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق
وكان مع أبي بكر الحارث بن خالد ، فقال : فإن معي رجلا من عشيرتي . فقال له أبو بكر ابن الدغنة : دعه فليمض لوجهه وارجع أنت إلى عيالك . فقال له : فأين حق المرافقة؟ فقال أبو بكر الحارث : أنت في حل فامض فإني سأمضي لوجهي مع أصحابي . فمضى حتى صار إلى الحبشة .
فرجع وارتحل معه أبو بكر ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة في أشراف كفار قريش فقال : إن لا يخرج مثله أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق؟ ! فلم تكذب أبا بكر قريش بجوار ابن الدغنة . وفي رواية : فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا وقالوا أبا بكر لابن الدغنة : مر فليعبد ربه في داره وليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا . فقال ذلك أبا بكر ابن الدغنة . لأبي بكر
فلبث كذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ، ثم بدا أبو بكر فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه ، لأبي بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن أبو بكر فأفزع ذلك أشراف وكان قريش من المشركين وأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا : إنا كنا أجرنا على أن يعبد ربه في داره ، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد عليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين أبا بكر الاستعلان . لأبي بكر
فأتى ابن الدغنة إلى فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر [ ص: 411 ] على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع أبي بكر العرب أني أخفرت في رجل عقدت له . فقال : فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله تعالى . أبو بكر
والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين : إني أريت دار هجرتكم بسبخة ذات نخل بين لابتين ، وهما الحرتان ، فهاجر من هاجر قبل المدينة ، ورجع عامة من كان بأرض الحبشة إلى المدينة ، وتجهز قبل أبو بكر المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي . فقال : هل ترجو ذلك؟ قال : نعم أبو بكر . لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهار بكرة وعشية ،
وسيأتي بقية الحديث في باب الهجرة إلى المدينة .
رواه والبلاذري وغيرهما . البخاري
وروى عن ابن إسحاق القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال : لقيه- يعني - حين خرج من جوار أبا بكر الصديق ابن الدغنة سفيه من سفهاء قريش وهو عامد إلى الكعبة فحثا على رأسه ترابا فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة أو العاصي بن وائل فقال له : ألا ترى ما يصنع هذا السفيه؟ فقال : أنت صنعت هذا بنفسك . قال وهو يقول : أي رب ما أحلمك ، أي رب ما أحلمك ، أي رب ما أحلمك! ثلاثا . أبو بكر