هاشم : اسم فاعل من الهشم وهو كسر الشيء اليابس والأجوف. واسمه عمرو العلا، وهو منقول إما من العمر بفتح العين الذي هو من العمر بضمها أي البقاء، ذكره أبو الفتح ابن جني رحمه الله تعالى في المبهج وأنشد لأبي القماقم:
يا رب زد من عمره في عمري واستوف مني يا إلهي نذري
ويحكى أن عيسى بن عمر سأل عمرو بن عبيد فقال: لم سميت عمرا؟ فقال له: العمر البقاء أطال الله عمرك وعمرك. قال رحمه الله تعالى: إن استعمل العمر في القسم فالفتح لا غير. قال تعالى: ابن دحية لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون .أو من غيره مما هو مذكور في الروض والزهر وغيرهما.
ولقب هاشما لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمه، وذلك أن أهل مكة أصابهم جهد وشدة فرحل إلى فلسطين فاشترى منها دقيقا كثيرا وكعكا وقدم بذلك إلى مكة فأمر به فخبز ثم نحر جزورا وجعلها ثريدا عم به أهل مكة ، ولا زال يفعل ذلك حتى استكفوا.
وهو الحبشة ورحلة الصيف إلى الشام . أول من سن الرحلتين، رحلة الشتاء إلى
قال : كانت الرشاطي قريش تجارتهم لا تعدو مكة ، وكانت الأعاجم تقدم عليهم بالسلع فيشترون منهم، حتى ركب هاشم إلى الشام فنزل بقيصر وكان كل يوم يذبح شاة فيصنع جفنة ثريد ويدعو من حوله فيأكلون فذكر ذلك لقيصر أن ها هنا رجلا من قريش يهشم الخبز ثم يصب عليه المرق ويفرغ عليه اللحم، وإنما كانت العجم تضع المرق في الصحاف ثم تأتدم عليه بالخبز، فدعا به قيصر وكلمه فأعجبه كلامه وأعجب به وجعل يرسل إليه ويدخل عليه، فلما رأى مكانه منه قال: أيها الملك إن لي قوما وهم تجار العرب فإن رأيت أن تكتب لي كتابا تؤمنهم وتؤمن تجارتهم فيقدموا عليك بما يستظرف من أدم الحجاز وثيابه فيمكنوا من بيعه عندكم فهو أرخص عليكم. فكتب له كتاب أمان لمن أتى منهم فأقبل هاشم بالكتاب فجعل كلما مر بحي من العرب على طريق الشام أخذ لهم من أشرافهم إيلافا، والإيلاف أن يأمنوا [ ص: 269 ] عندهم وفي طريقهم وأرضهم بغير حلف، إنما هو أمان الطريق، فأخذ هاشم الإيلاف فيمن بينه وبين الشام حتى قدم مكة فأعطاهم الكتاب، فكان ذلك أعظم بركة. ثم خرجوا بتجارة عظيمة وخرج هاشم معهم يجوزهم ويوفيهم إيلافهم الذي أخذ لهم من العرب ، فلم يبرح يجمع بينهم وبين العرب حتى ورد الشام. ومات في تلك السفرة بغزة. فهذا سبب تسميته بهاشم.
كذا قاله رحمه الله تعالى. وما ذكرناه في سبب تسميته هاشما هو المشهور. الرشاطي
ولا مانع أن يكون سمي ببلاد مكة هاشما لما تقدم، وببلاد قيصر كذلك. والله تعالى أعلم.
وخرج أخوه عبد شمس إلى النجاشي بالحبشة وأخذ لهم كذلك. وخرج أخوهما نوفل إلى الأكاسرة بالعراق وأخذ لهم كذلك. وخرج المطلب إلى حمير باليمن وأخذ لهم كذلك.
فكان يقال لهاشم ولعبد شمس وللمطلب ولنوفل، أولاد عبد مناف: المجيزون فسادوا كلهم، فقال فيهم عبد الله بن الزبعرى رضي الله تعالى عنه، ويقال بل أبوه قائل ذلك. قال : والأول أثبت: البلاذري
يا أيها الرجل المحول رحله هلا نزلت بآل عبد مناف
الآخذون العهد من آفاقها والراحلون لرحلة الإيلاف
والرائشون وليس يوجد رائش والقائلون هلم للأضياف
والخالطون غنيهم بفقيرهم حتى يكون فقيرهم كالكافي
عمرو العلا هشم الثريد لقومه سفر الشتاء ورحلة الإيلاف
الاحتفاد: خفة العمل والإسراع فيه.
وروى عن البلاذري رضي الله تعالى عنه قال: والله لقد علمت ابن عباس قريش أن أول من أخذ لها الإيلاف وأجاز لها العيرات لهاشم، والله ما أخذت قريش حبلا لسفر ولا أناخت بعيرا لحضر إلا بهاشم.
وكان هاشم رجلا موسرا، وكان يقوم أول يوم من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها فيخطب فيقول: يا معشر قريش أنتم سادة العرب أنسابا، وأنتم أقرب العرب بالعرب أرحاما، يا معشر قريش إنكم جيران بيت الله أكرمكم الله تعالى بولاية بيته وخصكم بجواره دون بني إسماعيل ، حفظ منكم أحسن ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه وزوار بيته، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر كالقداح وقد أرحضوا وثفلوا وقملوا وأرملوا، فاقروهم وأعينوهم، ولو كان لي مال يحمل ذلك كله كفيتكموه وأنا مخرج من طيب مالي وحلاله ما لم تقطع فيه رحم ولم يؤخذ بظلم ولم يدخل فيه حرام فواضعه، فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل، وأسألكم بحرمة هذا البيت أن لا يخرج رجل منكم من ماله لكرامة زوار بيت الله ومعونتهم إلا طيبا لم يؤخذ ظلما ولم يقطع فيه رحم ولم يؤخذ غصبا.
فكانت بنو كعب بن لؤي كلها تجتهد في ذلك، ثم يخرجون ذلك من أموالهم حتى إن كان أهل البيت ليرسلون بالشيء اليسير على قدرهم، وكان أهل اليسار منهم ربما أرسل بمائة مثقال هرقلية فيأتون به هاشما فيضعونه في داره دار الندوة.
وكان هاشم يخرج في كل سنة مالا كثيرا. وكان يأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم من قبل أن تحفر زمزم ثم يستقي فيها من الآبار التي بمكة فيشرب الحاج. وكان يطعمهم أول ما يطعمهم قبل التروية بيوم بمكة وبمنى وبجمع وعرفة وكان يثرد لهم الخبز واللحم، والخبز والسمن، والسويق والتمر، ويحمل لهم الماء، ويتفرق الناس لبلادهم.
وكان من أحسن الناس وأجملهم، وكانت العرب تسميه قدح النضار والبدر.
قال أبو سعد النيسابوري رحمه الله تعالى في "الشرف": كان النور يرى على وجهه كالهلال يتوقد، لا يراه أحد إلا أحبه وأقبل نحوه.
وبعث إليه قيصر رسولا ليتزوج ابنته لما وجد في الإنجيل من صفته فأبى.
ولهاشم من الأولاد: نضلة، وبه كان يكنى، وعبد المطلب والعقب منه. وأسد والد فاطمة بنت أسد أم سيدنا رضي الله تعالى عنهما. علي وأبو صيفي. والشفاء، وخلدة. ورقية وحبيبة. [ ص: 271 ] وله من الإخوة: المطلب، وعبد شمس، وتماضر، وقلابة. وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج، بالجيم، بن ذكوان بن ثعلبة بن الحارث بن بهثة بن سليم السلمية. ونوفل، وأبو عمرو واسمه عبيد. قال ابن قتيبة رحمه الله تعالى: ولا عقب له. وأميمة، أمهم وافدة بنت أبي عدي بن عبد فهم من بني مازن بن صعصعة.
وريطة بنت عبد مناف، ولدت في بني هلال بن معيط من بني كنانة وأمها من ثقيف.
وقيل إن هاشما وعبد شمس توأمان وإن أحدهما ولد قبل الآخر. قيل إن الأول هاشم وإن إصبع أحدهما ملتصقة بجهة صاحبه فنحيت فسال دم، فقيل يكون بينهما دم.
وولي هاشم بعد أبيه عبد مناف ما كان إليه من السقاية والرفادة فحينئذ حسده أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف فنال من هاشم.
فروى عن البلاذري هشام بن محمد بن السائب رحمه الله تعالى قال: كان أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ذا مال فتكلف أن يفعل كما فعل هاشم في إطعام قريش، فعجز عن ذلك، فشمت به أناس من قريش وعابوه لتقصيره، فغضب ونافر هاشما على خمسين ناقة سود الحدق. تنحر بمكة وإجلاء عشر سنين، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، وهو جد عمرو بن الحميق وكان منزله عسفان. وكان مع أمية أبو همهمة بن عبد العزى الفهري، وكانت ابنته عن أمية، فقال الكاهن: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر. وما اهتدى بعلم مسافر، في منجد وغائر لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منها وآخر، وأبو همهمة بذاك خابر. فأخذ هاشم الإبل، فنحرها وأطعم لحمها من حضر. وخرج أمية إلى الشام فأقام عشر سنين. فتلك أول عداوة وقعت بين بني هاشم وأمية.
مات هاشم بغزة وله عشرون سنة. ويقال خمس وعشرون سنة.
قال رحمه الله تعالى: وهذا أثبت. وهو البلاذري بني عبد مناف. ثم مات أول من مات من عبد شمس بمكة فقبر بأجياد. ثم مات نوفل بسلمان من طريق العراق. ومات المطلب بردمان من طريق اليمن . بوزن اسم وسلمان وردمان بوزنه. سلمان الفارسي،