قصي بضم القاف وفتح الصاد المهملة: تصغير قصي بفتح القاف، من قصا يقصو إذا أبعد. قاله ابن الأنباري - رحمهما الله تعالى: واسمه والزجاجي زيد. قال السهيلي : وصغر قصي [ ص: 273 ] على فعيل. لأنهم كرهوا اجتماع ثلاث ياءات، يعني ياء التصغير وياء فعيل المكبر، والياء المنقلبة عن الواو التي هي لام الفعل لتطرفها وانكسار ما قبلها، فحذفوا إحداهن وهي الياء الثانية التي تكون في فعيل نحو قضيب، فبقي على وزن فعيل. قال: ويجوز أن يكون المحذوف لام الفعل. يريد المبدلة من لام الفعل، فيكون وزنه فعيا وتكون ياء التصغير هي الثانية مع الزائدة.
قال - رحمه الله تعالى: وإنما قيل له الرشاطي قصي لأن أباه كلاب بن مرة كان تزوج فاطمة بنت سعد بن سيل - بسين مهملة فمثناة تحتية مفتوحتين فلام - لقب باسم جبل لطوله واسمه خير ضد شر. وفي سعد قال الشاعر:
ما أرى في الناس طرا رجلا حضر البأس كسعد بن سيل فارس أضبط فيه عسرة
وإذا ما وافق القرن نزل وتراه يطرد الخيل كما
يطرد الحر القطامي الحجل
فولدت له زهرة وقصيا. فهلك كلاب وقصي صغير. فتزوج فاطمة أم قصي ربيعة بن حرام بن ضبة فاحتملها - ربيعة ومعها قصي صغير. وقال السهيلي : رضيع. قال : فولدت الرشاطي فاطمة لربيعة رزاحا وكان أخاه لأمه، فربي في حجر ربيعة، فسمي قصيا لبعده عن دار قومه.
قال : وقال الرشاطي سمي الخطابي: قصيا لأنه قصا قومه أي تقصاهم بالشام ، فنقلهم إلى مكة .
قال : وإن الرشاطي زيدا وقع بينه وبين آل ربيعة شر فقيل له: ألا تلحق بقومك! وعير بالغربة وكان لا يعرف لنفسه أبا غير ربيعة فرجع إلى أمه وشكا إليها ما قيل له. فقالت: يا بني أنت أكرم نفسا وأبا، أنت ابن كلاب بن مرة وقومك بمكة عند البيت الحرام. فأجمع قصي على الخروج، فقالت له أمه: أقم حتى يدخل الشهر الحرام فتخرج في حاج العرب ، فلما دخل الشهر الحرام خرج مع حاج قضاعة حتى قدم مكة فحج وأقام، فعرفت له قريش قدره وفضله وعظمته وأقرت له بالرياسة والسؤدد، وكان أبعدها رأيا وأصدقها لهجة وأوسعها بذلا، وأبينها عفافا، وكان أول مال أصابه مال رجل قدم مكة بأدم كثير فباعه وحضرته الوفاة ولا وارث له فوهبه لقصي ودفعه له. [ ص: 274 ] وكانت خزاعة مستولية على الأبطح، وكانت قريش تنزل الشعاب والجبال وأطراف مكة وما حولها فخطب قصي إلى حليل بن حبشية الخزاعي ابنته حبى، فعرف حليل نسبه فزوجه ابنته وحليل يومئذ يلي الكعبة وأمر مكة .
فأقام قصي معه وولدت له حبى أولاده، فلما انتشر ولده وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل، وأوصى بولاية البيت لابنته حبى فقالت: لا أقدر على فتح الباب وإغلاقه. فجعل ذلك لأبي غبشان، بضم الغين المعجمة وسكون الموحدة بعدها شين معجمة - واسمه المحترش - بميم فحاء مهملة ويقال بمعجمة فتاء مثناة فوقية، فراء فشين معجمة - بن حليل وكان في عقله خلل، فاشترى قصي منه ولاية البيت بزق خمر وقعود. فضربت به العرب المثل فقالت: أخسر صفقة من أبي غبشان!.
فلما أخذ قصي مفتاح البيت إليه أنكرت خزاعة ذلك وكثر كلامها، وأجمعوا على حرب قصي وقريش وطردهم عن مكة وما والاها: فبادر قصي فاستصرخ أخاه رزاح بن ربيعة فحضر هو وإخوته، وكانت بنو صوفة تدفع الناس بالحج من عرفة إذا نفروا من منى، فلم يجسر أحد من الناس أن ينفر ولا يرمي حتى يرموا، فلما كان هذا العام فعلت بنو صوفة كما كانت تفعل، فأتاهم قصي بمن معه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة فقال لبني صوفة: نحن أولى بهذا منكم. فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا وكثر القتل في الفريقين فانهزمت صوفة وغلبهم على ما كان بأيديهم من ذلك، فانحازت خزاعة وبنو بكر عن قصي، وعلموا أنه سيمنعهم كما منع من ذلك بني صوفة، وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة ، فاجتمع لحربهم فخرجت خزاعة وبنو بكر فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، ثم إنهم تداعوا إلى الصلح وأن يحكموا رجلا من العرب ، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب المعروف بالشداخ فقضى بينهم بأن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة، وأن كل دم أصابته قريش من خزاعة موضوع يشدخه تحت قدميه، وأن ما أصابته خزاعة وبنو بكر من قريش وبني كنانة فيه الدية. فودوا خمسمائة وعشرين دية وثلاثين جريحا. وأن يخلى بين قصي وبين البيت. فسمي يعمر بن عوف الشداخ لما شدخ من الدماء ووضع.
فولي قصي أمر الكعبة ومكة وجمع قومه من منازلهم إلى مكة فملكوه عليهم، ولم تكن مكة بها بيت في الحرم وإنما كانوا يكونون بها حتى إذا أمسوا خرجوا لا يستحلون أن يصيبوا فيها جناية، ولم يكن بها بيت قديم.
فلما جمع قصي قريشا - وكان أدهى من رئي من العرب - قال لهم: هل لكم أن تصبحوا بأجمعكم في الحرم حول البيت؟ فوالله لا يستحل العرب قتالكم ولا يستطيعون [ ص: 275 ] إخراجكم منه وتسكنونه فتسودوا العرب أبدا. فقالوا: أنت سيدنا ورأينا تبع لرأيك. فجمعهم ثم أصبح بهم في الحرم حول الكعبة .
وكان قصي أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه، فكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء، وحاز شرف مكة كله جميعا. فسمي مجمعا لجمعه قومه.
وفي ذلك قال الشاعر:
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم به زيدت البطحاء فخرا على فخر
قال : أبو عبيدة قصي أمر مكة قال: يا معشر ولما ولي قريش، إنكم جيران الله وجيران بيته، وأهل حرمه، وإن الحاج زوار بيت الله فهم أضياف الله وأحق الأضياف بالكرامة أضياف الله فترافدوا، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتى يصدروا، ولو كان مالي يسع ذلك قمت به، ففرض عليهم خرجا تخرجه قريش من أموالها فتدفعه إليه فيصنع به طعاما وشرابا ولبنا وغير ذلك للحاج بمكة وعرفة فجرى ذلك من أمره حتى قام الإسلام.
قال السهيلي رحمه الله تعالى: وكان قصي يسقي الحجيج في حياض من أدم ينقل إليها الماء من بئر ميمون وغيرها خارج مكة ، وذلك قبل أن يحفر العجول.
وروى عن البلاذري معروف بن خربوذ وغيره قالوا: كانت قريش قبل قصي تشرب من بئر حفرها لؤي بن غالب خارج مكة ومن حياض ومن مصانع على رؤوس الجبال ومن بئر حفرها مرة بن كعب مما يلي عرفة. فحفر قصي بئرا سماها العجول، وهي أول بئر حفرتها قريش بمكة وفيها يقول رجاز الحاج:
نروي [من] العجول ثم ننطلق إن قصيا قد وفى وقد صدق
وقال آخر:
آب الحجيج طاعمين دسما أشبعهم زيد قصي لحما
ولبنا محضا وخبزا هشما
خربوذ بفتح المعجمة وتشديد الراء وبسكونها ثم بموحدة مضمومة وواو ساكنة. وآب: بالمد: رجع.[ ص: 276 ] ويروى أن قصيا قال للأكابر من ولده: من عظم لئيما شركه في لؤمه، ومن استحسن مستقبحا شركه فيه، ومن لم تصلحه كرامتكم فداووه بهوانه، فذاك دواء يحسم الداء والعي عيان: عي إفحام، وعي المنطق بغير سداد، والحسود: العدو الخفي، ومن سأل فوق قدره استحق الحرمان.
وقصي أحدث وقود النار بالمزدلفة ليراها من دفع من عرفة. قصي مكارمه بين ولده، فأعطى وقسم عبد مناف السقاية والندوة، فكانت فيه النبوة والثروة. وأعطى عبد الدار الحجابة واللواء. وأعطى عبد العزى الرفادة والضيافة أيام منى، فكانوا لا يجيزون إلا بأمره.
وأعطى عبد قصي جلهمتي الوادي. فسادت بنو قصي الثلاثة.
بمكة فأقام بنوه أمر ومات قصي مكة بعده في قومهم ودفن بالحجون. فتدافن الناس بعده بالحجون.