تنبيهات
الأول : كانت غزوة الخندق- كما قال ابن إسحاق ومتابعوه- في شوال . وقال محمد بن عمر وابن سعد : في ذي القعدة . وقال الجمهور : سنة خمس . قال الذهبي : هو المقطوع به . وقال ابن القيم : إنه الأصح ، وقال الحافظ : هو المعتمد . وروى ابن عقبة عن الزهري والإمام أحمد عن الإمام مالك : أنها كانت سنة أربع ، وصححه النووي في الروضة .
قالوا : وهو عجيب ، لأنه صحح أن قريظة كانت في الخامسة ، وكانت عقب الخندق ، ومال البخاري إلى قول الزهري ، وقواه بما رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزه ، ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه ، فيكون بينهما سنة واحدة . وكان سنة ثلاث ، فيكون الخندق سنة أربع .
قال . . الحافظ وغيره : ولا حجة إذا ثبت أنها كانت سنة خمس ، لاحتمال أن يكون ابن [ ص: 397 ]
عمر في أحد كان أول ما طعن في الرابعة عشرة ، وكان في الأحزاب قد استكمل الخمسة عشر . وبهذا أجاب البيهقي .
ويؤيده قول ابن إسحاق : إن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد : موعدكم العام المقبل ببدر . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر ، وتأخر مجيء أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ . كما تقدم بيان ذلك . ووافق ابن إسحاق على ذلك غيره من أهل المغازي .
وقد بين البيهقي رحمه الله تعالى سبب هذا الاختلاف ، وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ، ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول ، وعلى ذلك جرى الحافظ يعقوب بن سفيان في تاريخه ، فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى ، وأن غزوة أحد كانت في الثانية ، وأن الخندق كانت في الرابعة ، وهذا عمل صحيح على ذلك البناء ، لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التأريخ من المحرم سنة الهجرة ، وعلى ذلك تكون بدر في الثانية ، وأحد في الثالثة ، والخندق في الخامسة وهو المعتمد .
الثاني : اختلف في مدة إقامة المشركين على الخندق ، فقال سعيد بن المسيب في رواية يحيى بن سعيد : أقاموا أربعا وعشرين ليلة ، وقال في رواية الزهري : بضع عشرة ليلة .
وروى محمد بن عمر عن جابر بن عبد الله أنها كانت عشرين يوما .
وقال محمد بن عمر : أثبت الأقاويل أنها كانت خمسة عشر يوما ، وجزم به ابن سعد والبلاذري والنووي في الروضة والقطب وقال في زاد المعاد : شهرا ، وقال ابن إسحاق : بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر .
الثالث :
قوله صلى الله عليه وسلم : «سلمان منا أهل البيت» ،
بنصب أهل على الاختصاص ، أو على إضمار أعني ، وأما الخفض على البدل فلم يره سيبويه جائزا من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب ، لأنه في غاية البيان ، وأجازه الأخفش .
الرابع :
روى البخاري عن جابر رضي الله عنه : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال يوم الأحزاب :
«من يأتينا بخبر القوم ؟ » قال الزبير : أنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن لكل نبي حواريا ، وإن حواري الزبير» .
قال في العيون : كذا في الخبر ، والمشهور أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة بن [ ص: 398 ] اليمان ، كما رويناه عن طريق ابن إسحاق وغيره .
قال الحافظ رحمه الله : وهذا الحصر مردود ، فإن القصة التي ذهب الزبير لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها ، فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة : هل نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما صرح بذلك محمد بن عمر ، وقصة حذيفة كانت لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق ، وتمالت عليهم الطوائف ، ووقع بين الأحزاب الاختلاف ، وحذرت كل طائفة من الأخرى ، وأرسل الله تعالى عليهم الريح ، فندب النبي صلى الله عليه وسلم ، من يأتيه بخبر قريش ، فانتدب حذيفة ، كما تقدم بيان ذلك في القصة .
الخامس :
قوله صلى الله عليه وسلم : «اللهم إن العيش عيش الآخرة»
إلخ ، قال ابن بطال : هو مقول ابن رواحة تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ولو كان ذلك من لفظه لم يكن بذلك شاعرا لعدم القصد ، كما سيأتي تحقيقه في الخصائص .
وقوله : «فاغفر للمهاجرين والأنصار» ، وفي رواية بتقديم الأنصار على المهاجرين ، وكلاهما غير موزون ، ولعله صلى الله عليه وسلم تعمد ذلك ، وقيل . أصله «فاغفر للأنصار والمهاجرة» بجعل الهمزة همزة وصل . وقوله : «والعن عضلا والقارة» إلخ غير موزون ، ولعله كان :
والعن إلهي عضلا والقارة وقوله : «إن الألى قد بغوا علينا» ليس بموزون ، وتحريره :
إن الذين قد بغوا علينا فذكر الراوي «الألى» بدل «الذين» ، قد قاله الحافظ . وقال ابن التين : والأصل : «إن الألى هم قد بغوا علينا» .
السادس : ظاهر قول البراء : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كثير الشعر : إنه كان كثير شعر الصدر وليس كذلك ، فإن في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان دقيق المسربة ، أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن ، فيمكن الجمع بأنه كان مع دقته كثيرا ، أي لم يكن منتشرا ، بل كان مستطيلا ، وتقدم ذلك مبسوطا في أبواب صفاته .
السابع : سبق في القصة عن ابن إسحاق وغيره وصف حسان بن ثابت رضي الله عنه بالجبن ، وأنه روي عن عروة بسند صحيح ، وأنه روي عن أبيه الزبير ، وصرح بذلك خلائق .
وأنكر ذلك أبو عمر وجماعة ، واحتجوا لذلك بأن ما ذكره ابن إسحاق منقطع الإسناد ، وبأنه لو صح لهجى به حسان ، فإنه كان يهاجي الشعراء كضرار بن الخطاب ، وابن الزبعرى ، وغيرهما . [ ص: 399 ]
وكانوا يناقضونه ، ويردونه ، عليه ، فما عيره أحد بجبنه ، ولا وسمه به ، فدل على ضعف حديث ابن إسحاق .
قلت : لفظ ابن إسحاق في رواية البكائي : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه ، وقال في رواية يونس ، كما رواه الحاكم عن يونس ، عنه قال : حدثني هشام عن أبيه أي عروة عن صفية ، قال عروة : سمعتها تقول : أنا أول امرأة قتلت رجلا ، كنت في فارع حسان بن ثابت ، فكان حسان معنا في النساء والصبيان ، فإن كان عروة أدرك جدته فسند القصة جيد قوي ، وتقدم لها طرف في القصة .
ولعل حسان- كما في الروض- أن يكون معتلا في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال . قال : وهذا أولى ما يؤول عليه .
وقال ابن الكلبي : كان حسان بن ثابت لسنا شجاعا ، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن ، فكان لا ينظر إلى قتال ولا يشهده .
وقال ابن سراج : إن سكوت الشعراء عن تعييره بذلك من علامة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكون حسان شاعره .
الثامن : في الصحيح أن الذين أكلوا الطعام عند جابر في الخندق كانوا ألفا .
ووقع عند أبي نعيم في مستخرجه كما نرى تسعمائة أو ثمانمائة .
وعند الإسماعيلي : كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة ، وفي رواية ابن الزبير : كانوا ثلاثمائة .
قال الحافظ : والحكم للزائد لمزيد علمه ، ولأن القصة متحدة .
التاسع : الصحيح المشهور أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في غزوة الخندق ثلاثة آلاف ، ونقل في زاد المعاد عن ابن إسحاق أنهم كانوا سبعمائة . قلت : ولا دليل في قول جابر في قصة الطعام : «وكانوا ألفا» لأنه أراد الآكلين فقط لا عدة من حضر الخندق ، والله تعالى أعلم .
العاشر : دلهم النبي صلى الله عليه وسلم بعرضه إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة على جواز إعطاء المال للعدو : إذا كان فيه مصلحة للمسلمين وحياطة لهم .
الحادي عشر : في شرح غريب القصة :
الخندق- بفتح الخاء المعجمة وسكون النون- : حفير حول المدينة ، وهي في شامي المدينة من طرف الحرة الشرقية إلى طرف الحرة الغربية . وذكر الطبري أن أول من خندق الخنادق منو شهر بن إيرج ، وإلى رأس ستين سنة من ملكه بعث موسى عليه السلام . ومنو شهر . [ ص: 400 ]
في نسخة صحيحة من الروض والعيون قرئتا على مصنفيهما- بميم مفتوحة فنون فواو فشين معجمة فهاء ساكنة فراء . وإبيرج- بهمزة في أوله مكسورة- وفي نسخة الروض : فتحتية فراء فجيم .
الأحزاب : جمع حزب ، وهو الطائفة من الناس . وتحزب القوم : صاروا أحزابا .
خيبر : يأتي الكلام عليها في غزوتها .
يهود : لا ينصرف للعلمية والتأنيث .
أهل عدد (بفتح العين المهملة ) .
الجلد- بفتح الجيم واللام- : القوة والشدة .
البيوت جمع بيت ، وهو هنا الشرف .
الأحساب جمع حسب- بفتحتين- : ما يعد من المآثر . وتقدم الكلام عليه مبسوطا .
استأصله : أهلكه .
نحالفكم- بالحاء المهملة- : نعاقدكم .
نشطت (بنون فشين معجمة فطاء مهملة ) .
الأحقاد جمع حقد : الانطواء على العداوة والبغضاء .
مرحبا : أي أتيت رحبا وسعة ، وقال الفراء : منصوب على المصدر .
أهلا : أي أتيت أهلا ، فابسط نفسك واستأنس ولا تستوحش .
الكرم تقدم شرحها .
الجبت : الصنم ، والكاهن ، والساحر . وقال الراغب : يقال لكل ما عبد من دون الله جبت . وقال الفراء : المراد بالجبت هنا حيي بن أخطب .
الطاغوت- يذكر ويؤنث- وقال الفراء : المراد به هنا كعب بن الأشرف .
النقير- بالنون والقاف- : النقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة .
صد عنه- بفتح الصاد وتشديد الدال- : أعرض عنه .
الأحابيش : سبق الكلام عليها في غزوة أحد .
دار الندوة ومر الظهران : تقدم الكلام عليهما .
عناج الأمر- بعين مهملة مكسورة فنون مخففة فألف فجيم- أي ملاكه- بكسر الميم وفتحها- وهو ما يقوم به ، ومعناه أنه كان صاحبهم ومدبر أمرهم والقائم بشأنهم ، كما يحمل [ ص: 401 ]
ثقل الدلو عناجها ، وهو الحبل الذي يشد تحت الدلو ، ثم يشد في العروة ، ليكون عونا لعراها فلا ينقطع .
خزاعة (بضم الخاء المعجمة فزاي ) .
يبرز : يظهر .
فارس : جيل من الناس ، وإقليم معروف .
الثبات : الإقامة .
الجد في الأمر : - بالفتح- الاجتهاد .
ارتاد الرجل الشيء : طلبه وأراده .
سلع- بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالعين المهملة- : جبل بالمدينة .
المذاد- بميم مفتوحة فذال معجمة فألف فدال مهملة- من ذاده إذا طرده .
أطم : لبني حرام غربي مساجد الفتح .
ذباب- بذال معجمة وموحدتين كغراب وكتاب- : جبل بالمدينة .
راتج- براء فألف ففوقية مكسورة فجيم- : أطم ، سميت به الناحية .
دنا : قرب .
المساحي : جمع مسحاة- بكسر الميم وبالسين المهملتين- وهي المجرفة من الحديد . والميم زائدة لأنه من السحو ، وهو الكشف والإزالة .
الكرازين- بكاف فراء فألف فزاي فتحتية جمع كرزين بالكسر- الفأس .
المكاتل- بالفوقية- جمع مكتل بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية .
الشيخان- تثنية شيخ ضد شاب- أطمان .
تنافس في كذا : رغب فيه وتسابق .
لبط به- بلام مضمومة فموحدة مكسورة فطاء مهملة- : صرع فجأة من عين أو علة وهو يلتوي .
يكفأ الإناء- بالهمز- يقلبه ويميله .
عقال- بالكسر- : الحبل الذي يعقل به البعير يمنعه من الشرود .
العكن (بضم العين المهملة وفتح الكاف ) والأعكان كلاهما جمع عكنة- بسكون الكاف- : وهي الطي في البطن من السمن . [ ص: 402 ]


