حديث حليمة
أخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون قال:
أخبرنا محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني وأبو طالب علي بن محمد اليماني قالا:
أخبرنا محمد الحسين السلمي قال: أخبرنا قال: أخبرنا عبد الله بن زيدان هارون بن إدريس السلمي قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني المحاربي - عن قال: حدثني محمد بن إسحاق جهم بن أبي جهم الجمحي ، عن عبد الله بن جعفر عن حليمة ابنة الحارث - أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته - السعدية قالت:
خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر بن هوازن تلتمس الرضعاء بمكة ، فخرجت على أتان لي قمراء قد أذمت بالركب قالت: وخرجنا في سنة شهباء ، لم تبق [لنا] شيئا أنا وزوجي الحارث بن عبد العزى ، قالت: ومعنا شارف لنا والله لم تبض علينا بقطرة من لبن ، ومعي صبي ما ننام ليلنا من بكائه ، وما في ثديي من لبن يغنيه ، ولا في شارفنا من لبن يغذيه ، إلا أنا نرجو ، فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه وإنما كنا نرجو الكرامة في رضاعة من نرضع له من أبي [ ص: 262 ] المولود ، فكان نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقلنا ، ما عسى أن تصنع لنا أمه؟ فكنا نأبى ، حتى لم يبق من صويحباتي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري .
قالت: فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئا ، وأخذ صويحباتي ، فقلت لزوجي الحارث: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه . قالت: فأتيته فأخذته ، ثم رجعت إلى رحلي . فقال لي زوجي: قد أخذته . قالت: قلت: نعم ، وذاك أني لم أجد غيره .
قال: قد أصبت عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرا . قالت: والله ما هو إلا أن وضعته في حجري ، فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي ، وشرب أخوه حتى روي ، وقام زوجي الحارث إلى شارفنا ، فإذا هي ثجاء [فحلب] علينا ما شئنا فشرب حتى روي وشربت حتى رويت .
قالت: فمكثنا بخير ليلة شباعا رواء . قالت: فقال زوجي: والله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبت نسمة مباركة ، قد نام صبياننا ، وقد روينا .
قالت: ثم خرجنا فو الله لخرجت أتاني أمام الركب ، قد قطعتهم حتى ما يتعلق بها منهم أحد ، حتى إنهم ليقولون: ويحك يا بنت الحارث ، كفي عنا ، أليست هذه أتانك التي خرجت عليها؟ فأقول: بلى والله ، فيقولون: إن لها لشأنا حتى قدمت منازلنا من حاضر منازل بني سعد بن بكر . قالت: فقدمنا على أجدب أرض الله . قالت: فو الذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا وأسرح [راعي] غنيمتي ، وتروح غنمي حفلا بطانا ، وتروح أغنامهم جياعا هلكى ، ما بها من لبن فنشرب ما شئنا من اللبن ، وما من الحاضر من أحد يحلب قطرة ولا يجدها . قالت: فيقولون لرعاتهم:
ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة . فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه ، وتروح أغنامهم جياعا ما لها من لبن وتروح غنمي حفلا لبنا .
قالت: وكان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر! ويشب في الشهر شباب [ ص: 263 ] الصبي في سنة . قالت: فبلغ سنتين وهو غلام جفر . قالت: فقدمنا به على أمه ، فقلت لها ، وقال لها زوجي: دعي ابني فلنرجع به ، فإنا نخشى عليه وباء مكة . قالت:
ونحن أضن شيء به لما رأينا من فلم نزل بها حتى قالت: ارجعي به . بركته صلى الله عليه وسلم .
قالت: فمكث عندنا شهرين ، قالت فبينما هو يلعب يوما مع إخوته خلف البيت إذ جاء أخوه يشتد ، فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه .
قالت فخرجت وخرج أبوه يشتد نحوه ، فانتهينا إليه وهو قائم ممتقع لونه ، فاعتنقته واعتنقه أبوه وقال: مالك يا بني؟ قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني ، والله ما أدري ما صنعا .
قالت: فاحتملناه ورجعنا به . قالت: يقول زوجي يا حليمة ، والله ما أرى الغلام إلا قد أصيب ، فانطلقي فلنرده إلى أمه قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه . قال: فرجعنا به إلى أمه . فقالت: ما ردكما وكنتما حريصين عليه؟ فقلنا: لا والله إلا أنا كفلناه وأدينا الذي علينا من الحق فيه ثم تخوفنا عليه الأحداث ، فقلنا يكون عند أمه .
قالت: والله ما ذاك بكما ، فأخبراني خبركما وخبره ، قالت: والله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره . قالت: أتخوفتما عليه . لا والله إن لابني هذا شأنا ألا أخبركما عنه؟
إني حملت به فلم أحمل حملا قط هو أخف منه ، ولا أعظم بركة منه ، ولقد وضعته فلم يقع كما يقع الصبيان ، لقد وقع واضعا يده في الأرض رافعا رأسه إلى السماء . دعاه والحقا بشأنكما .