ذكر ما جرى في السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم
قال مؤلف الكتاب: من ذلك شق صدره ، وقد ذكرناه ، وظاهر هذا الحديث أن
[ ص: 264 ]
آمنة حملت غير رسول الله . وقد قال : لا يعرف عنه أهل العلم أن الواقدي لآمنة وعبد الله ولدا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما حليمة: فهي بنت أبي ذؤيب - واسمه: عبد العزى بن الحارث بن شجنة بن جابر - السعدية ، قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوج فشكت إليه جدب البلاد ، فكلم خديجة ، فأعطتها أربعين شاة ، وأعطتها بعيرا ، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت ، وأسلم زوجها خديجة الحارث بن عبد العزى .
أخبرنا قال: أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب أحمد بن جعفر قال:
أخبرنا قال: أخبرني أبي قال: أخبرنا حيوة . عبد الله بن أحمد وزيد بن عبد ربه قالا:
أخبرنا بقية قال: حدثني يحيى بن سعيد ، عن عن خالد بن معدان ، أبي عمرو السلمي ، عن عتبة بن عبد السلمي : أنه حدثهم
قال: "كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر ، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ، ولم نأخذ معنا زادا ، فقلت: يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا ، فانطلق أخي ومكثت عند البهم ، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال:
نعم . فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني إلى القفا ، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء وثلج فغسلا [به] جوفي ، ثم قال: ائتني بماء برد فغسلا به قلبي ثم قال ائتني بالسكينة . فذراها في قلبي ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه . فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة ، وقال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم . ثم قال: لو أن أمته وزنت به لمال بهم . [ ص: 265 ] فشقا بطني ، ثم استخرجا قلبي فشقاه ، فأخرجا منه علقتين سوداوين .
ثم انطلقا وتركاني وقد فرقت فرقا شديدا ، ثم انطلقت إلى أمي ، فأخبرتها بالذي لقيت ، فأشفقت أن يكون التبس بي فقالت: أعيذك بالله فحملتني على الرحل وركبت خلفي ، حتى إذا بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي ، وحدثتها الحديث ، فلم يرعها [ذلك] وقالت: إني رأيت حين خرج مني نورا أضاءت منه قصور الشام . وروي [عن] أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ مكحول ، عن شداد بن أوس قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل شيخ من بني عامر فقال: يا ابن عبد المطلب ، إني أنبئت أنك تزعم أنك رسول [الله] إلى الناس ، فأنبئني بحقيقة ذلك وبدو شأنك .
"يا أخا بني عامر ، إن حقيقة قولي وبدو شأني دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى أخي عيسى بن مريم ، وإن أمي لما وضعتني كنت مسترضعا في بني ليث بن بكر ، فبينا أنا ذات يوم منتبذ من أهلي في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان ، إذ أنا برهط ثلاثة معهم طست من ذهب مليء ثلجا ، فأخذوني من بين أصحابي ، فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ، ثم أقبلوا على الرهط فقالوا: ما أربكم إلى هذا الغلام؟ فإنه ليس منا ، هذا ابن سيد قريش ، وهو مسترضع فينا ، غلام يتيم ليس له أب ، فماذا يرد عليكم قتله؟ فإن كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه .
فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون إليهم جوابا انطلقوا هرابا مسرعين إلى [ ص: 266 ] الحي ، يستصرخونهم ، فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا ، ثم شق ما بين مفرق رأسي إلى منتهى عانتي ، وأنا أنظر إليه ، ولم أجد لذلك مسا ، ثم أخرج أحشاء بطني ثم غسلها بذلك الثلج ، فأنعم غسلها ، ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني منهم فقال لصاحبه: تنح . فنحاه عني ، ثم أدخل يده من جوفي فأخرج قلبي ، وأنا أنظر إليه ، فصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ، ثم قال: قال بيمينه ويساره كأنه يتناول شيئا فإذا [أنا] بخاتم في يده من نور يحار الناظرون دونه فختم [به] قلبي فامتلأ نورا ، ثم أعاده مكانه ، فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ، ثم قال الثالث لصاحبه: تنح فنحاه عني ، فأمر بيده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي ، فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ، ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ، ثم قال للأول للذي شق بطني: زنه بعشرة من أمته . فوزنني بهم فرجحتهم . ثم قال: زنه بمائة من أمته .
فوزنني بهم فرجحتهم . ثم قال: زنه بألف من أمته فوزنني بهم فرجحتهم . فقال:
دعوه ، فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم .
قال: ثم ضموني إلى صدورهم ، وقبلوا رأسي وبين عيني ، ثم قالوا: يا حبيب لم ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير [ولو علمت ما يراد بك] لقرت عيناك . قال: فبينا نحن كذلك إذا أنا بالحي قد جاءوني بحذافيرهم ، وإذا أمي وهي ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول: يا ضعيفا . فأكبوا علي ، وقبلوا رأسي وما بين عيني ، فقالوا: حبذا أنت من ضعيف . ثم قالت ظئري: يا وحيدا . فأكبوا علي
[ ص: 267 ]
فضموني وقبلوا ما بين رأسي وعيني ، ثم قالت ظئري: يا يتيما يا مستضعفا أنت من بين أصحابك فقتلت لضعفك . ثم ضمتني إلى صدرها ، فو الذي نفسي بيده إنني لفي حجرها وإن يدي لفي يد بعضهم ، فجعلت ألتفت إليهم وظننت أن القوم يبصرونهم ، فإذا هم لا يبصرونهم ، فقال بعض القوم: إن هذا الغلام قد أصابه لمم أو طائف من الجن ، فانطلقوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه ويداويه . فقلت ما بي [من] شيء مما يذكر . فقال أبي - وهو زوج ظئري: ألا ترون كلامه كلام صحيح ، إني لأرجو أن لا يكون يا بني بأس . فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ، فذهبوا بي إليه ، فقصوا عليه قصتي ، فقال: اسكتوا حتى أسمع من الغلام ، فإنه أعلم بأمره منكم .
فسألني فقصصت عليه أمري ، فوثب إلي وضمني إلى صدره ، ثم نادى بأعلى صوته: يال العرب ، اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه ، فو اللات والعزى لئن تركتموه وأدرك ليبدلن دينكم . ثم احتملوني فذاك بدو شأني" .
أخبرنا [محمد] بن عبد الباقي البزاز قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا قال: أخبرنا ابن حيويه أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال:
لما قامت سوق عكاظ انطلقت حليمة برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عراف من هذيل يريه الناس صبيانهم . قال: فلما نظر إليه صاح: يا معشر هذيل ، يا معشر العرب ، فاجتمع إليه الناس من أهل الموسم . فقال: اقتلوا هذا الصبي . فانسلت به حليمة ، فجعل الناس [ ص: 268 ] يقولون: أي صبي؟ فيقول: هذا الصبي . فلا يرون شيئا . قد انطلقت به أمه . فيقال له: ما هو ؟ فيقول: رأيت غلاما ، وآلهته ، ليقتلن أهل دينكم ، وليكسرن آلهتكم ، وليظهرن أمره عليكم . فطلب بعكاظ ، فلم يوجد ورجعت به حليمة إلى منزلها ، وكانت بعد ذلك لا تعرضه لعراف ولا لأحد من الناس .
قال محمد بن عمر: وحدثني زياد بن سعد بن عيسى بن عبد الله بن مالك قال:
جعل الشيخ الهذلي يصيح: [يال العرب] يال هذيل ، إن هذا لينتظر أمرا من السماء .
وجعل يغري بالنبي لله ، فلم ينشب أن وله [وذهب] عقله حتى مات كافرا .
قال محمد بن عمر : وحدثني معاذ بن محمد بن أبي رباح ، عن قال : ابن عباس
خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته مع أخته ، فقالت: في هذا الحر! فقالت أخته: يا أماه ، ما وجد أخي حرا ، ، حتى انتهى إلى هذا الموضع . رأيت غمامة تظل عليه فإذا وقف وقفت ، وإذا سار سارت معه
[وهذا كان في السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم] .
أبو بكر الصديق رضي الله عنه . وفي هذه السنة: من مولده صلى الله عليه وسلم ولد