وكان بالعراق بعد مجيء من الحوادث في هذه السنة [وقعة جرت خالد إلى الشام]
أنه استقام أمر فارس على شهربراز بن أردشير بن شهريار ، فوجه إلى المثنى الذي استخلفه خالد على العراق جندا عظيما عليهم هرمز بن جاذويه في عشرة آلاف ، ومعه فيل ، [ ص: 124 ] وكتب مسالح المثنى إليه بإقبال العدو ، فخرج المثنى من الحيرة نحوه ، وضم إليه المسالح وأقام ببابل ، وأقبل هرمز بن جاذويه ، وكتب إلى المثنى: إني قد بعثت إليك جندا من وخش أهل فارس ، إنما هم رعاة الدجاج والخنازير ، فلست أقاتلكم إلا بهم . فأجابه المثنى: إن الذي يدل عليه الرأي أنكم اضطررتم إلى ذلك ، فالحمد لله الذي رد كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير . فجزع أهل فارس من كتابه وقالوا:
جرأت علينا عدونا .
فالتقوا ببابل ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم إن ناسا من المسلمين قصدوا الفيل وقتلوه ، فانهزم أهل فارس ، واتبعتهم المسلمون يقتلونهم ، ومات شهربراز حين انهزم هرمز بن جاذويه .
ثم اجتمع أهل فارس على دخت زنان ابنة كسرى ، فلم ينفذ لها أمر فخلعت .
وملك سابور بن شهربراز ، وقام بأمره الفرخزاذ بن البندوان ، فسأله أن يزوجه آزرميدخت بنت كسرى ، ففعل فغضبت من ذلك ، وقالت: يا ابن عم أتزوجني عبدي؟
فقال: استحيي من هذا الكلام [ولا تعيديه] ، فإنه زوجك . فشكت إليه الذي تخاف ، فقال لها: قولي له ، ليقل له فليأتك فأنا أكفيكه .
فلما كانت ليلة العرس [أقبل الفرخزاد حتى دخل] ، فثار به سياوخش ، فقتله ومن معه ، ثم نهد بها إلى سابور فحضرته ثم دخلوا عليه فقتلوه .
وملكت آزرميدخت بنت كسرى ، وأبطأ خبر المسلمين على أبي بكر رضي الله عنه ، فخلف المثنى على المسلمين بشير بن الخصاصية ، فخرج إلى أبي بكر رضي الله [ ص: 125 ] عنه ليخبره خبر المسلمين والمشركين ويستأذنه في الاستعانة بمن ظهرت توبته وندمه من أهل الردة ، فقدم المدينة رضي الله عنه مريض ، فقال وأبو بكر إني أرجو أن أموت من يومي هذا ، فلا تمسين حتى تندب الناس مع لعمر: المثنى ، وإن تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس معه ، ولا تشغلنكم مصيبة عن دينكم ، وقد رأيتني متوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما صنعت .
فمات أبو بكر رضي الله عنه وندب الناس مع عمر المثنى