ذكر الأحداث بعد إدريس  
استخلف إدريس  ولده متوشلخ  على أمر الله ، وأوصاه قبل أن يرفع ، وكان أول من ركب البحر  ، وملك بطريق الطاعة لله سبحانه . 
ثم ولد لمتوشلخ  لمك  في حياة آدم  ، ثم ولد للمك  نوح عليه السلام   . 
وقيل: كان لمتوشلخ  ولد يقال له: صابئ  ، وبه سمي الصابئون   . 
روى عكرمة  ، عن  ابن عباس  في قوله تعالى: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى   ، قال: كان فيما بين نوح  وإدريس  ، وكانت ألف سنة ، وإن بطنين من ولد آدم  ، كان أحدهما يسكن السهل ، والآخر يسكن الجبال ، وكان رجال الجبال صباحا وفي النساء دمامة ، وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة ، وأتى إبليس رجلا من أهل السهل في صورة غلام ، فآجر نفسه منه ، وكان إبليس يخدمه ، فأخذ إبليس مثل هذا الذي يزمر فيه الرعاء ، فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله ، [فبلغ ذلك من حولهم] ، فانتابوهم يسمعون إليه ، [واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة] ، فتتبرج النساء للرجال . 
[قال: وينزل الرجال لهن . وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك ، فرأى النساء وصباحتهن ، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك] ، ثم تحولوا 
 [ ص: 236 ] 
[إليهن] ، فنزلوا معهن ، فظهرت الفاحشة [فيهن] ، فهو قوله تعالى: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى   . 
وقد كانت أحداث كثيرة وقرون بين آدم  ونوح  لا يعلم أكثرها  . 
وروى  أبو أمامة  أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كم كان بين آدم  ونوح  ؟ قال: "عشرة قرون"  . 
قال الشيخ الإمام أبو الفرج   : وقد اختلف في ترتيب هذه القرون والأحداث الكائنة فيها . 
فمن ذلك: أن قوما قالوا: ملك طهمرث  ، ويقال: طهمورب  ، بالباء ، كذلك ضبط  أبو الحسين ابن المنادي   . ويقال: طهومرت  ، وهو من ولد أوشنج  ، وبينهما عدة آباء ، فسلك طريق جده ، وملك الأقاليم كلها ، وبنى الموضع الذي جدده بعد ذلك شابور ملك فارس  ، ونزله ، ونفى الأشرار ، وهو أول من كتب بالفارسية  ، واتخذ الخيل والبغال والحمير ، والكلاب لحفظ المواشي ، واستمرت أحواله على الصلاح . 
ثم ملك أخوه جم الشيذ  ، وتفسيره سد الشعاع ، سمي بذلك لأنه كان جميلا وضيئا ، فملك الأقاليم ، وسلك السيرة الجميلة وزاد في الملك بأن ابتدع عمل السيوف والسلاح ودل على صنعة الإبريسم والقز وغيره ومما يغزل . وأمر بنسج الثياب وصبغها ، و [نحت] السروج والأكف ، [وتذليل الدواب بها] . 
وصنف الناس أربع طبقات: طبقة مقاتلة ، وطبقة كتابا ، وطبقة صناعا وحراثين ، وطبقة خدما .  [ ص: 237 ] 
وعمل أربعة خواتم: خاتما للحرث والشرط ، وكتب عليه الأناة ، وخاتما للخراج وجباية الأموال ، وكتب عليه العمارة . وخاتما للبريد ، وكتب عليه الرخاء . وخاتما للمظالم ، وكتب عليه العدل ، فبقيت هذه الرسوم في ملوك الفرس  إلى أن جاء الإسلام . 
وألزم من غلبه من أهل الفساد بالأعمال الصعبة من قطع الصخور من الجبال ، وعمل الرخام والجص والبناء والكلس والحمامات . 
وأخرج من البحار والجبال والمعادن والفلوات كل ما ينتفع به الناس من الذهب والفضة وما يذاب من الجواهر وأنواع الطيب والأدوية ، وأحدث النوروز فجعله عيدا . 
ثم إنه بطر وجمع الخلق فأخبرهم أنه مالكهم والدافع عنهم بقوته الهرم والسقم والموت ، وجحد إحسان الله إليه ، وادعى الربوبية . 
فأحس بذلك الملك بيوراسب  الذي يسمى الضحاك  ، وهو من ولد جيومرث  ، ويزعم قوم أن جم الشيذ  زوج أخته بعض أشراف أهل بيت ، فولدت له الحكم فانتدب إلى جم  بنفسه ، فهرب منه ، ثم ظفر به الضحاك  فامتلخ أمعاءه ونشره بمنشار . 
وقد روينا عن  وهب بن منبه  قصة تشبه أن تكون قصة جم  لولا أن فيها ذكر نصر  ، وبين جم  ونصر  بون بعيد ، إلا أن يكون الضحاك  سمي بذلك الزمان بخت نصر   . 
فأخبرنا عبد الخالق بن أحمد بن يوسف  ، أخبرنا علي بن محمد بن إسحاق اليزدي  ، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الرازي  ، أخبرنا جعفر بن عبد الله الروياني  ، حدثنا أبو بكر محمد بن هارون  ، حدثنا أحمد بن يوسف  ، حدثنا خلف  ، حدثنا إسماعيل  ، حدثنا عبد الصمد بن معقل  ، قال: سمعت وهبا  يقول: 
إن رجلا ملك وهو شاب ، فقال: إني لأجد للملك لذة ، ولا أدري أكذلك يجد الناس الملك أم أنا أجده من بينهم؟ فقيل: بل الملك كذلك ، فقال: ما الذي يقيمه لي؟ 
 [ ص: 238 ] 
فقيل له: يقيمه أن تطيع الله ولا تعصيه ، فدعا ناسا من خيار من [كان] في ملكه ، فقال لهم: كونوا بحضرتي وفي مجلسي ، فما رأيتم أنه طاعة الله فمروني أن أعمل به ، وما رأيتم أنه معصية الله فازجروني عنه أنزجر ، ففعل ذلك هو وهم ، فاستقام ملكه أربعمائة سنة مطيعا لله . 
ثم إن إبليس انتبه لذلك ، فقال: تركت رجلا يعبد الله ملكا أربعمائة [سنة] ، فجاء فدخل عليه وتمثل له برجل ، ففزع منه الملك فقال: من أنت؟ فقال إبليس: لا ترع ، ولكن أخبرني من أنت؟ فقال الملك: أنا رجل من بني آدم  ، فقال له إبليس: لو كنت من بني آدم  لقد مت كما يموت بنو آدم  ، ألم تر كم قد مات من الناس وذهب [من] القرون ، ولكنك إله ، فادع الناس إلى عبادتك . 
فدخل ذلك في قلبه ، ثم صعد المنبر ، فخطب الناس ، فقال: يا أيها الناس إني [قد كنت] أخفيت عليكم أمرا بان لي إظهاره لكم ، أتعلمون أني ملكتكم أربعمائة سنة ، فلو كنت من بني آدم  لقد مت كما ماتوا ، ولكني إله فاعبدوني فأرعش مكانه ، فأوحى الله تعالى إلى بعض من كان معه ، فقال: أخبره أني [قد] استقمت [له] ما استقام لي ، فارعوى من طاعتي إلى معصيتي فلم يستقم لي ، فبعزتي حلفت لأسلطن عليه نصر  فليضربن عنقه ، وليأخذن ما في خزانته ، وكان في ذلك الزمان لا يسخط الله على أحد إلا سلط عليه نصر  فضرب عنقه وأوقر من خزانته سبعين سفينة [ذهبا] .  [ ص: 239 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					