وعن رضي الله عنه قال : { صهيب } حديث حسن رواه قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال : ادن فكل . فأخذت تمرا فأكلت فقال : أتأكل تمرا وبك رمد ؟ فقلت يا رسول الله : أمضغ من الناحية الأخرى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وغيره . ابن ماجه
وفي الأثر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل إنه محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم { } كذا قيل ورواه : إن الله إذا أحب عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه عن الطعام والشراب . الترمذي من حديث عن محمود بن لبيد وإسناده حسن . قتادة بن النعمان
وقال : حسن غريب ، ولفظه { } ورواه أيضا عن كما يظل أحدكم يحمي نفسه الماء محمود عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال : إن زيد بن أسلم رضي الله عنه حمى مريضا له حتى إنه من شدة ما حماه كان يمص النوى عمر
، فالحمية من أعظم الأدوية وهي عما يجلب المرض حمية الأصحاء ، وعما يزيده حمية المرضى ، فإن المريض إذا احتمى وقف مرضه فلم يتزايد وأخذت القوى في دفعه .
وقال الحارث بن كلدة : ، والحمية عندهم للصحيح في المضرة كالتخليط للمريض والناقه . الطب الحمية
وأنفع الحمية للناقه ، فإن طبيعته لم ترجع إلى قوتها ، فقوتها الهاضمة ضعيفة ، والطبيعة قابلة ، والأعضاء مستعدة فتخليطه يوجب انتكاسة أصعب من ابتداء مرضه . ولا يضر تناول يسير لا تعجز الطبيعة عن هضمه ، ويدل عليه حديث المذكور ، وقد ينتفع به لشدة الشهوة فتتلقاه الطبيعة والمعدة بالقبول فيصلحان ما يخاف منه ، ولعله أنفع مما تكرهه الطبيعة . صهيب
وقد روى بإسناد جيد عن ابن ماجه { ابن عباس } وفي لفظ { أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا [ ص: 359 ] فقال له : ما تشتهي ؟ فقال أشتهي خبز بر أشتهي } كعطاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { } . من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه ، ثم قال : إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه
ولا ينبغي إكراه المريض على طعام ولا شراب . قال بعض الأطباء : لأن كراهته إما لاشتغال طبيعته بمجاهدة المرض أو لسقوط شهوته أو نقصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها ، فلا يجوز إعطاء الغذاء في هذه الحال ، والجوع طلب الأعضاء للغذاء ، لتخلف الطبيعة به عليها عوض ما تحلل منها فتجذب الأعضاء البعيدة من القريبة حتى ينتهي الجذب إلى المعدة فيحس الإنسان بالجوع ، فيطلب الغذاء ، فإذا وجده المريض اشتغلت الطبيعة بمادته وإنضاجها ، أو إخراجها عن طلب الغذاء أو الشراب ، فإذا أكره المريض على ذلك تعطلت به الطبيعة عن فعلها ، واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه ، فيكون ذلك سببه لضرر المريض لا سيما في أوقات البخارين أو ضعف الحار الغريزي أو خموده ، ولا ينبغي أن يستعمل في هذا الحال إلا ما يحفظ عليه قوته ويقويها بما لطف قوامه واعتدل مزاجه من شراب وغذاء ، وهذا من غير اشتغال مزعج للطبيعة ، فإن الطبيب خادم للطبيعة ومعينها لا معيقها .
والدم الجيد هو المغذي للبدن ، والبلغم دم فج قد نضج بعض النضج ، فإذا عدم الغذاء مريض فيه بلغم كثير عطفت الطبيعة عليه وطبخته وأنضجته وصيرته دما وغذت به الأعضاء واكتفت به ، والطبيعة هي القوة التي وكلها الله بتدبير البدن مدة حياته .
وقد روى الترمذي من رواية وابن ماجه بكر بن يونس بن بكير وهو ضعيف عند علماء الحديث عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عقبة بن عامر } قال : لا تكرهوا مرضاكم على الطعام أو الشراب ; فإن [ ص: 360 ] الله يطعمهم ويسقيهم الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وقال : هذا الحديث باطل . أبو حاتم الرازي
وقال بعضهم : قد يحتاج إلى إجبار المريض على طعام وشراب في أمراض معها اختلاط العقل ، فيكون الحديث مخصوصا أو مقيدا . ومعنى الحديث أن المريض يعيش بلا غذاء أياما ، لا يعيش الصحيح في مثلها . قال بعض أصحابنا وغيرهم بنحوه ، وفي قوله : " فإن الله يطعمهم ويسقيهم " معنى لطيف يعرفه من له عناية بأحكام القلوب والأرواح وتأثيرها في طبيعة البدن وانفعال الطبيعة عنها كما تنفعل هي كثيرا عن الطبيعة ، فالنفس إذا اشتغلت بمحبوب أو مكروه اشتغلت به عن الطعام والشراب ، بل وعن غيرهما فإن كان مفرحا قوي التفريح قام لها مقام الغذاء ; فشبعت به وانتعشت قواها وتضاعفت وجرت الدموية في الجسد حتى تظهر في سطحه فإن الفرح يوجب انبساط دم القلب فينبعث في العروق فتمتلئ به .
والطبيعة إذا ظفرت بما تحب آثرته على ما هو دونه ، وإن كان مخوفا ونحوه اشتغلت بمحاربته أو مقاومته ومدافعته عن طلب الغذاء ، فإن ظفرت في هذه الحرب انتعشت قواها ، وأخلفت عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام والشراب ، وإلا انحط من قواها بحسب ما حصل لها من ذلك ، وإن كان الحرب بينها وبين هذا العدو سجالا ، فالقوة تظهر تارة وتختفي أخرى ، فالمريض له مدد من الله يغذيه به زائد على ما ذكره الأطباء من تغذيته بالدم ، وهذا المدد يختلف بحسب قرب الشخص من ربه ، ويشهد لذلك ما في الصحيحين { } . وقد سبق قول الإمام : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل الصوم ويقول : لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني رضي الله عنه : الخوف منعني الطعام والشراب فما أشتهيه . أحمد
وكان الشيخ تقي الدين رحمه الله قليل تناول الطعام والشراب وينشد كثيرا .
لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد
[ ص: 361 ] وأما ما سبق من الكلام : " وعودوا كل بدن ما اعتاد " فهو من أنفع شيء في العلاج وأعظمه ، فإن ملاءمة الأدوية والأغذية للأبدان بحسب استعدادها وقبولها ، وسيأتي إن شاء الله من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشهد لذلك ، وهذا معلوم بالمشاهدة فمن لم يراع ذلك من الأطباء ، واعتمد على ما يجده في كتبهم فذلك لجهله ويضر المريض ، وهو يظن أنه ينفعه فالمادة كالطبيعة للإنسان .وفي كلام الأطباء وغيرهم : العادة طبع ثان ، وهي قوة عظيمة في البدن حتى إنه إذا قيس أمر واحد إلى أبدان مختلفة العادات متفقة في الوجوه الأخر ، كان مختلفا بالنسبة إليها مثاله : ثلاثة شباب أمزجتهم حارة ، أحدهم تعود الحار ، والآخر البارد ، والآخر المتوسط ، فالعسل لا يضر بالأول ويضر بالثاني ويضر بالثالث قليلا .
وقد قال الحارث بن كلدة : الأزم دواء . الأزم الإمساك عن الأكل ، ومراده الجوع وهو من أجود الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائية كلها ، وهو أفضل في علاجها من المستفرغات إذا لم يخف من كثرة الامتلاء وهيجان الأخلاط وحدتها وغليانها .
وقد روى أبو نعيم في الطب النبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { صوموا تصحوا } .
وقد ذكر بعض الأطباء وغيرهم صفة المعدة أنها عضو عصبي مجوف كالقرعة في شكله ، مركب في ثلاث طبقات مؤلفة من شظايا دقيقة عصبية تسمى الليف ، يحيط بها لحم وليف ، إحدى الطبقات بالطول والأخرى بالعرض ، والثالثة بالوراب . وفم المعدة أكثر عصبا . وقعرها أكثر لحما وفي باطنها خمل ، وهي محصورة في وسط البطن وأميل إلى الجانب الأيسر وهي بيت الداء . وكانت محلا للهضم الأول ، وفيها ينطبخ الغذاء ثم ينحدر منها إلى الكبد والأمعاء ، ويتخلف فيها منه فضلة عجزت القوة الهاضمة عن تمام هضمه لمعنى من المعاني ، والإشارة بذلك والله أعلم إلى تقليل الغذاء والتحرز عن الفضلة كما ورد في الأخبار . [ ص: 362 ]
وقد ذكر الأطباء أنه يخاف من الإكثار من الغذاء النافع ، وأنه يتناول منه بحسب الحاجة . قال بعضهم : يكف عنه وهو يميل إليه فلا يميل بالكلية ويروى من حديث رضي الله عنه : " أصل كل داء البردة " البردة بالتحريك التخمة وثقل الطعام على المعدة . سميت بذلك لأنها تبرد المعدة فلا تستمرئ الطعام . قال أهل اللغة : المعدة للإنسان بمنزلة الكرش لكل مجتر ، ويقال : معدة ومعدة . ابن مسعود
وليجتهد في العلاج بألطف الغذاء المعتاد لذلك المريض ; ولهذا في الصحيحين عن عروة عن : " أنها كانت إذا مات الميت من أهلها اجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلى أهلهن ، أمرت ببرمة تلبينة فطبخت وصنعت ثريدا ثم صبت التلبينة عليه ثم قالت : كلوا منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { عائشة } : التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن عن ولابن ماجه مرفوعا { عائشة } يعني الحساء . قالت { عليكم بالبغيض النافع } . : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه يعني يبرأ أو يموت أوله من قولها : وعنها { وللبخاري } وروى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قيل له : إن فلانا وجع لا يطعم الطعام ، قال : عليكم بالتلبينة فحسوه إياها ويقول : فوالذي نفسي بيده إنها تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ . الترمذي وقال : حسن صحيح عن قالت { عائشة } رواه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ، ثم أمرهم فحسوا منه ، وكان يقول : إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها ابن ماجه
وفيه أمرهم بالحساء من الشعير . يقال : رتاه يرتوه أي يشده ويقويه ، وهو المراد هنا ، ويراد أيضا إرخاؤه وأوهاه ، وهو من الأضداد ، ويقال : سروت الثوب عني سروا إذا ألقيته عنك وسريت لغة : مجمة بفتح الميم والجيم ، ويقال بضم الميم وكسر الجيم معناه مريحة له من الإجمام وهي الراحة ، والتلبينة والتلبين بفتح التاء [ ص: 363 ] حساء رقيق من دقيق ونخالة ، وربما جعل فيها عسل . سميت بذلك تشبيها باللبن لبياضها ورقتها .
وسبق في أول الفصل فضل ماء الشعير ، وكانوا يتخذونها منه ، وهي أنفع من ماء الشعير لطبخها مطحونا فتخرج خاصية الشعير بالطحن ، وماء الشعير يطبخ صحاحا ، فعل ذلك أطباء المدن ليكون ألطف لرقته ، فلا يثقل على طبيعة المريض ، وشرب ذلك حارا أبلغ في فعله .
وقوله : " وتذهب ببعض الحزن " قد يكون لخاصية فيها وقد يكون لزوال ما حصل بالحزن من اليبس وبرد المزاج باستعمال ذلك فقويت القوى وقوي الحار الغريزي والله أعلم .