[ ص: 367 ] فصل ( في الحرارة والرطوبة واعتدال المزاج باعتدالها    ) . 
اعلم أن قوام البدن بما فيه من الحرارة والرطوبة ، وقوام كل منهما بالأخرى . فالحرارة تحفظ الرطوبة وتمنعها من الفساد والاستحالة وتدفع فضلاتها وتلطفها وإلا أفسدت البدن ، والرطوبة تغذو الحرارة وإلا أحرقت البدن وأيبسته ، وينحرف مزاج البدن بحسب زيادة أحدهما . 
ولما كانت الحرارة تحلل الرطوبة احتاج البدن إلى ما يخلف عليه ما حللته الحرارة ضرورة بقائه ، وهو الطعام والشراب فمتى زاد على مقدار التحلل ضعفت الحرارة عن تحليل فضلاته فاستحالت مواد رديئة فتنوعت الأمراض لتنوع موادها وقبول الأعضاء واستعدادها ; فلهذا قال تعالى : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا     } . 
فأمر سبحانه بإدخال ما يقيم البدن من الطعام والشراب عوض ما تحلل منه بقدر ما ينتفع به البدن ، فمتى جاوزه أسرف ، فكل واحد من عدم الغذاء والإسراف فيه مانع من الصحة جالب للمرض ; فلهذا قال من قال الطب حفظ الصحة في بعض آية ، فالبدن في التحلل والاستخلاف دائما ، فكلما كثر التحلل ضعفت الحرارة لفناء الرطوبة وهي مادة الحرارة ، وإذا ضعفت الحرارة ضعف الهضم ولا يزال كذلك حتى تفنى الرطوبة وتنطفئ الحرارة جملة فيموت ، فغاية الطبيب أن يحمي الرطوبة عما يفسدها من العفونة وغيرها ، والحرارة عما يضعفها ويعدل بينها بالعدل في التدبير الذي قام به البدن فالمخلوقات قوامها بالعدل . 
واعلم أن في الصحة والعافية عن النبي ما ليس في غيرهما كحديث  ابن عباس :    { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ    } رواه  البخاري   [ ص: 368 ] 
وحديث سلمة بن عبيد الله بن محصن الأنصاري  عن أبيه {   : من أصبح معافى في جسمه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا .    } سلمة  فيه جهالة رواه  ابن ماجه  والترمذي  وقال حسن غريب . وحديث  أبي هريرة    : { أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نصح جسمك ونروك من الماء البارد    } إسناد جيد رواه الترمذي    . 
وقال غريب . { وأمر  عليه السلام  عائشة  إن علمت ليلة القدر أن تقول : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني    } صححه الترمذي  وغيره . 
				
						
						
